من منا لا يعشق السخرية أو الكوميديا ؟ بالتأكيد أنت تحمل فى داخلك تقديرا لكل من
هو قادر على اضحاكك , لذا فأنت تضع بين تلافيف قلبك وفى ركن الاحترام رف التبجيل
تحديدا مكانا خاصا للجماعات الإسلامية , إنهم أيقونة الكوميديا فى العصر الحديث
بلا منازع , لقد تخطوا حدود الخيال لذا كانت لهم مكانتهم الخاصة .
هل تصلى وتصوم وتخرج زكاتك ووقفت بين يدى الله فى الحرم الشريف ؟ فعلت كل
هذا فعلا ؟ إذن أنت كافر , بل وعلمانى ليبرالى فاجر وعدو لله ولرسوله , لأنك
انتخبت فلان وقلت لا للدستور وتقاطع حديث
شيوخ بعد منتصف الليل ويجوز قتلك لو خرجت عن طاعة ولى الأمر , ولاتخاف من
لحوم العلماء المسمومة التى ستمزق حنجرتك أيها السافل الوضيع .
لا تقف الكوميديا عند هذا الحد بل تمتد لتفسر فشل الإدارة الكامل والشلل
الحكومى المزرى أنه من إرث النظام السابق , فقط , نحن قوم ملعونون إذن . يدعى
البعض انهم قاموا بثورة ثم يدعى آخرون ان هناك انتخابات نزيهة ليدعى آخرون تماما
أن لدينا أول رئيس مدنى منتخب , كل تلك الإدعاءات المتشنجة لا تستطيع أن تغير شيئا
واحدا من إرث نظام سابق ! ثم يحدثونك عن أحلام النهضة منتظرين منك أن تصدق وأن
تنبهر بل وأن تترك لهم الفرصة ليفاجئوك بمزيد من الفشل . أحد أصدقائى فى العمل من
أصحاب القولون العصبى أصابته العدوى وعرف كيف يمسك طرف الخيط فكلما تألم بسبب
قولونه اتهم بدوره رموز النظام السابق .
وطبعا لاننسى قيام أحدهم بتحويل فوائد
القروض لمصاريف إدارية , ففى لحظه يقرر شخص لاعلاقة له بالاقتصاد تدمير فرع كامل
من رياضيات الاستثمار نفاقا للحاكم . ولا ننسى الرائع المشهور بعدائه الشديد
لأمريكا عندما وقف فى جوقة انتخابية يؤيد شخصا تحمل عائلته بالكامل الجنسية
الأمريكية , والمدهش من هم خلفه من المؤيدين المهللين المكبرين فهم يقدمون حالة
خاصة كان ليتمنى ( جوزيف منجيل ) نفسه أن يراها ليتعرف على تقنية غسيل الأدمغة المتبعة .
هل تظن أن هذا كل شيء ؟ قطعا مخطئ فمازال هناك
الكثير من المرح فى انتظارك , هل تعلم أنهم بكل تاريخهم الحافل بالدماء والتفجيرات
والأشلاء خرجوا فى مظاهرات لنبذ العنف ؟ مايحضرنى هو مشاهد متفرقة من ردود الأفعال
لمن طالتهم أصابع الإرهاب , ماذا ستقول والدة شيماء التى قتلت بقنابل المسامير فى
السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1993 لأنهم استهدفوا رئيس وزراء فقتلوا ابنتها وهى فى
قلب المدرسة المجاورة لموقع التفجير ؟ أحفاد القاضى الخازندار ؟ أحفاد النقراشى
باشا ؟ كيف استقبلت سمر فرج فودة تلك
المبادرة خاصة وأن قاتل أبيها ضيف دائم على موائد الثرثرة ونجم فضائى بامتياز ؟ كيف
كان وقعها على أبناء البطل محمد أنور السادات ؟ هم أنفسهم لا يقتنعون بما قدموه من
مراجعات فكرية أو هكذا يدعون , كانت مجرد صفقة أمنية لإطلاق سراحهم , النظام يبدو
متسامحا وهم يبدون أكثر تفهما للواقع . لكن الحقيقة التى لم يفطن لها أصحاب القرار
أن أول من انتقموا منه هو أول من سمح لهم بالتواجد فوق سطح الأرض وقتلوه يوم
انتصاره .
لكن مع صحوتهم الثانية لم يكن هناك نظام على الأرض لينتقموا منه , فقرروا أن
يوضحوا للعامة بطريقتهم أنهم لن يعودوا للزنازين حتى لو كلفهم ذلك ما يكلفهم , هل تتذكرون
كم مرة تحدث القياديون عن اعلان الجهاد ؟ فى كم مناسبة وضد من ولماذا ؟ والأدهى
أنهم يحدثونك عن جدوى الحفاظ على شرعية الرئيس , بغض النظر ان كنت مؤيدا للرئيس أو
لست معترفا به , ألم يكن للسادات نفس الشرعية حين قتلوه ؟ ألم يكن لمبارك نفس
الشرعية حين قرروا انهم يقومون بثورة ؟ حتى بعد أن اتضح للجميع إلا هم وبعض عشاق
الأدرينالين أنها مجرد خدعة تاريخية أخرى يدفع ثمنها المواطن العادى وليس مدعى صنعها
فمعظمهم الآن إما اتجه لتعلم فنون الطهى أو هاجر خارج البلاد , وأشدهم سماجة وسخفا
هو من يصر على الظهور ليجلد ذاته أمامنا يحسب أنه بذلك يطهر نفسه , ليوفر على نفسه
حمل العبء , فالعار مستمر معه حتى حياته الأخرى , أما الشعب فلا أعتقد أنه سيتسامح
فى حقه بعد أن قاموا برفع حملة السلاح وقتلة الأطفال إلى سدة الحكم بحجة أنهم
اختيار ثورى .
الأمر المخزى حقا لأمثالهم أن بمجرد وصول اختيارهم الثورى لسدة
الحكم تفرغوا للعفو عن رفاق الكفاح والسلاح , إن قمع الشعب يحتاج للمزيد , تحطيم جيل
تواق للغد ليس بالسياسة فقط , ولا بإقرار دستور تم فرز أصواته فى سوبر ماركت ,
أخرجوا لهم أسوأ كوابيسهم حتى يتسنى لنا مساومة البشر إما ولاية فقيهنا أو ولاية
فقهائهم .
ببساطة هم يتناوبون الأدوار فى تمزيق معنوياتك بهدوء إلى أن تخمد فى
داخلك آخر شرارة للمقاومة لتتحول بعدها إلى مسخ , نصف ميت , كهل دائم الذعر من
مستقبل حياتك وسط حكام ملثمون يتغنون بالجهاد والمقاومة وفى حقيقة الأمر هم لا
يجاهدون ولا يقاومون إلا أنت , أنت تفكر لذا فأنت بالنسبة لهم تعديت كل الخطوط
الحمراء . ماهو مسموح لك أن تكون مجرد نسخة زيروكس أخرى مثل من يواليهم , تسمع
فـ تطيع ويأمرون فـ تنفذ ويقولون فـ تطرب . إنهم لم يخرجوا لنبذ العنف , بل خرجوا ينبذون
ظاهرة التفكير نفسها , من يستخدم عقله فهو مجرم وآثم وخطر يهددهم , هم لايحاربون
العنف لأنهم صناع الفوضى من الأساس , هم يحاربونك لأنك تعرف أنهم كذلك منذ اللحظة
الأولى . وبما أن الموضوع بدأ عن الكوميديا لينتهى أيضا بطريقة كوميدية تحكى عن
شاب غاضب ذهب يهتف أمام قصر الاتحادية فجاءه أحد زملاءه يخبره أن هناك مظاهرات خرجت تنبذ العنف , فسأل صديقه من هم الداعون لها ؟ فأجاب : إنهم قتلة السادات .
K@ReeM