استيقظ المشير عبدالفتاح السيسى فى الخامسة صباحا كعادته. استحم وتوضأ ثم ارتدى ملابسه. كان يحس ببعض الإرهاق من كثرة المقابلات التى أجراها فى اليوم السابق. صلى المشير ركعتى السنة ثم ركعتى الفريضة ثم راح يتلو القرآن بصوت خفيض وهو جالس لم يزل على سجادة الصلاة. أحس المشير براحة وهو يتأمل فى معانى الآيات الكريمة، وفجأة سمع صوتا مدويا وكأن شيئا ثقيلا قد ارتطم بالأرض. نحّى المشير القرآن جانبا وقفز بخفة وقد أمسك بيده اليمنى الطبنجة التى لا تفارقه، تقدم بحذر نحو مصدر الصوت. كانت حجرته متسعة يفصلها عن بقية البيت ممر داخلى قصير، تفقده المشير بعناية فلم يجد شيئا غريبا. «ربما يكون الإرهاق هو ما جعلنى أتخيل صوت الارتطام».. هكذا قال المشير لنفسه ثم عاد إلى جلسته الأولى ووضع الطبنجة بجواره واستأنف تلاوة القرآن لكنه سرعان ما سمع صوتا ثانيا كان هذه المرة أشبه باندفاع بخار محبوس.. هب المشير واقفا وتطلع نحو الممر فلم يصدق عينيه. كان الممر محجوبا تماما بغيمة بيضاء كبيرة بدت وكأنها بخار كثيف ولم يلبث أن رأى جسما يخرج من الغيمة البيضاء ويتقدم نحوه. شيئا فشيئا استطاع أن يميز شابا يرتدى بدلة شركسكين بيضاء ورابطة عنق رفيعة زرقاء على طراز الستينيات، خيل للمشير أنه رآه من قبل ولمّا ظهر وجهه فى الضوء صارت المفاجأة أكثر من طاقة المشير فوقف مذهولا، لكن الرجل ابتسم وبادره قائلا: أنا جمال عبدالناصر !
لم يصدق المشير نفسه من هول المفاجأة التي أطاحت
برصناته المعهودة وقال له بترحاب بالغ : ايه ده ! بجد انا مش مصدق نفسى ؟! والختمة
الشريفة ما مصدق عنيا , منور يازعيم ! نزلت من العالم الآخر ازاى طيب ؟
قال له عبدالناصر وقد بدت عليه ملامح
الإرهاق : بوابة التلاشى الزمنية نزلتنى على أول المحور وخدت ميكروباص , اتبهدلت
ياسيسى ! على أيامى كانت المواصلات العامة احسن من كده بكتير !
قال له السيسى محاولا تخفيف وطأة المفاجأة التي
ألمت بالزعيم : ولايهمك يابرنس المهم انك بخير وتوجه نحوه لمعانقته لكنه تفاجأ أنه
يعانق سراب ! وهى لقطة تذكرنا بلقطة النهاية في كليب "ع الجراح قادر"
للمطرب إيهاب توفيق ومن اخراج عثمان أبو لبن .
ضحك عبدالناصر وقال له باستخفاف : عاوز
تاخدنى بالحضن ؟! انا شبح يابنى إيهيهيهيهيه .. ماخدتوهاش في العلوم ؟ المهم , دعك
من الترحيب المبالغ فيه , أنا هنا في مهمة محددة وبالغة الخطورة
وشديدة التعقيد , والصعوبة , والـ ... قاطعه السيسى وقال : فكك من جو نبيل فاروق ولخص احنا الفجر يعنى !
وشديدة التعقيد , والصعوبة , والـ ... قاطعه السيسى وقال : فكك من جو نبيل فاروق ولخص احنا الفجر يعنى !
قال شبح عبدالناصر : أوووه حسنا لا بأس ,
لكن قبل أن أبدأ حديثى معك خد بقى التليفون بالمرة حطهولى على الشاحن .
أمسك السيسى بالهاتف وقد تملكه الشعور
بالاستغراب ! وسأل الشبح : ايه التليفون ده يازعيم ؟
قال شبح عبدالناصر بتهكم : ده آيفون 8 لسه
محدش مسكه في بلدك .. ستيف جوبز اداهولى هدية من أسبوع علشان أغير نظرتى في الصناعات
الإمبريالية , وبالمرة ادينى باسوورد الوافاى علشان انزل فيلم نوح .
لكن السيسى
أخبره أن سرعة الانترنت رديئة جدا ولن تسعفه في تحميل الفيلم والا سيضطر للمبيت
على الأرض وهو مايهدده بعدم لحاقه بموعد إغلاق بوابة التلاشى الزمنية , لكنه أردف
قائلا : هي السرعة عندكم كام ؟
قال الشبح بسخرية : بص .. طيارة , بندون
الأفلام قبل ماندوس على اللينكات أصلا ! لايهم فقط دع هذه الأحاديث الجانبية وتعال
لأحدثك فيما أتيت لك من أجله ..
قال السيسى : كلى آذان صاغية ياحضرة الزعيم
.. بس ايه الجرافات اللبنى دى ! في شبح ينزل لابس جرافات ؟!
قال له شبح عبدالناصر بحنق : لو مش هاتبطل
زياط هاسيبك واطلع فوق ! دى من عمر افندى
قال السيسى وقد تملكت منه السخرية : ايه ده
في عمر أفندى فوق ؟ ناقص تقولى عندكم كوستا كافيه كمان !
بلغ الغضب مداه في وجه شبح عبدالناصر وقال
له : اتريق اتريق , لا معندناش كوستا ياخفيف الظل , بس عندنا درينكيز .. وأضاف وقد
تملك الغضب من أوصاله حتى احمرت عيناه الفارغتان : تهكمك سيزيد من غضب الرفاق على
حافة العالم الآخر !
لكن ذلك التحذير لم يحرك جفنا في السيسى
عندما أضاف بلهجة ملأها التهكم والتحد الواضح : حصلنا الرعب ياعم جريندايزر ! آخرك
هاته !
استشاط شبح عبدالناصر غضبا وقال بلهجة تكاد
تنفجر معها أحباله الصوتيه : انت بتتحدانى ياولد ؟
قابله السيسى باستخفاف وقال له بغير اكتراث
: قديمة .. فريد شوقى قالها قبلك .
ثم نظر كلاهما لبعضهما البعض وانخرطا في موجة
ضحك هيستيرية , وأخذ يمسح شبح عبدالناصر دموعه التى لايمكن رؤيتها بالعين المجردة
لأنه شبح طبعا لايخضع لقوانينا الفيزيائية والتي سالت على وجهه كنهر من كثرة الضحك
وقال : يحظك يابن الإيه يا سيسى ! انا ماضحكتش كده من زمان اوى !
قال له السيسى وهو يشعر بسعادة بالغة لأنه أدخل السرور في قلب هذا الزعيم العظيم : زورونا تجدوا مايسركم يافندم ..
قال له السيسى وهو يشعر بسعادة بالغة لأنه أدخل السرور في قلب هذا الزعيم العظيم : زورونا تجدوا مايسركم يافندم ..
قال عبدالناصر وهو يسعل من أثر الضحك : أكيد
طبعا .. انت قعدتك مايتشبعش منها , هاتلى بقى التليفون علشان يدوب كده ألحق بوابة
التلاشى الزمنية قبل ماتقفل واكيد هازورك تانى انا عرفت السكة خلاص ..
قال له السيسى وهو يناوله الهاتف : بقولك ايه يازعيم ماتسيبلى التليفون ده تذكار !
قال له السيسى وهو يناوله الهاتف : بقولك ايه يازعيم ماتسيبلى التليفون ده تذكار !
قال عبدالناصر وقد بدت على ملامحه الجدية :
أولا ده هدية , ثانيا لو حمدين شافه معاك هايقرف ميتين أهالينا كل يوم على
الفضائيات وهايهرى في عدم تكافؤ الفرص وانت ماترضاهاش لينا أكيد ! احنا اشباح
كبيرة في السن والبروستاتا مبهدلانا فمش ناقصه حمدين كمان !
قال السيسى وقد بدى عليه الاقتناع : تمام
يافندم , بس والله لانزل أوصلك بنفسى ..
انطلقا معا على دراجتين هوائيتين حتى وصلا
إلى نقطة بوابة التلاشى الزمنية , ووقف السيسى يودع شبح الزعيم جمال عبدالناصر
مؤكدا أنه سيفتقده وسيفتقد تلك اللحظات المرحة التي قضاها معه .. وبحس القائد أدرك
شبح الزعيم تلك اللحظة فربت على كتفه وقال له : أكيد هاجيلك تانى احنا لسه
ماتكلمناش في اللى كنت جايلك علشانه , وعانقه عناق مطارات طويل , حتى قال له السيسى
باستغراب : ازاى يازعيم ؟! انا جيت اسلم عليك أول مره معرفتش ؟
ضحك شبح عبدالناصر وقال وهو يتلاشى داخل الضوء الزمردى البراق : احنا أشباح يابنى , توقع مننا أي حاجه .. اختفى الضوء تماما وغاب معه شبح الزعيم الذى ربما لن يظهر قريبا مرة أخرى , أخذ السيسى دراجته الهوائية وانطلق عائدا لمنزله .. لكنه لم يلحظ هذين الشخصين اللذين اختفيا خلف صخرة ما وكانا قد تسربا خلسة من بوابة التلاشى الزمنية لحظة انشغال السيسى وشبح عبدالناصر بالوداع وكانا شبحى الفنان فؤاد أحمد وعلى الشريف .. بادر شبح فؤاد أحمد بالحديث وقال بلهجة بورسعيدة كالتى استخدمها في فيلم المشبوه : احنا خدنا زومبة يا أفيونه ! الأيفون اللى كنا نازلين نسرقه طار ! والبوابة كمان طارت ! هانعمل ايه ! قال له شبح على الشريف بلهجة بورسعيدية كالتى استخدمها أيضا فى المشبوه : أكيد في حل ماتوغوغشنيش ! بس خلى النهاية مفتوحة كده نعمل ساسبينس للجامهور .. ميستيريس يعنى !