المقال منشور بجريدة الدستور الوطنى عدد الثلاثاء 02/04/2013
من كانت طفولته فى التسعينات سيتذكر أن إعلامنا كان
عبارة عن قناتين فقط لأن باقى القنوات لم يكن يستطيع ( الإريال ) التقاطها , كانت
الشوارع فى السادسة مساءا تخلو من المارة لممارسة هواية التطفل على شئون حسن
أرابيسك أو عباس الضو العائلية , كان يطل علينا الشيخ الجليل الشعراوى يشرح لنا ما
لايستطيع غيره أن يشرحه , نعرف عن العلوم من الرائع مصطفى محمود ما لايمكن أن
نعرفه من غيره , أما الترفيه فكان قاصرا على برامج مثل اخترنا لك أو أوسكار , ومع
ذلك كان يعتبره الآباء مضيعة للوقت .
لم تكن ثقافة التوك شو قد تم اختراعها بعد ,
وحتى عندما بدأت فى الانتشار لم تكن بتلك الكثافة التى عليها الآن بعدد لانهائى من
التوك شو يتنافس فى تقديمه لكل ما يندرج تحت تصنيف اللاشيء . قم بمتابعة أى برنامج
بشكل عشوائى ستجد دائما ضيفين كلاهما لا يطيق الآخر لكن لا بأس من ادعاء التحضر
أمام المشاهدين لا يلبث أن يتلاشى مع أول احتكاك فى النقاش , وسيظلا يتبادلان
الآراء فى أسلوب تربية كليهما وأن عدم اكتمال منظومة الحرية هى ما أجبرته للجلوس
مع آخر هارب من السجن رجعى التوجه وثيوقراطى الهوى مشبها إياه بحيوان أليف يتم
التضحية به فى عيد الأضحى أجد من الحرج أن اقول أنه ( الخروف ) أمام القراء . أما
الآخر محاولا البرهنة على جهل من كال له الإهانة سيقول أن هذا ديدن بنو علمان لا
يعترفون بالديموقراطية لو أتت بغيرهم ويضيف كالعادة أنهم يكرهون المشروع الإسلامى وشعب
مصر واع واختار الإسلام واضعا وجهه فى مواجهة الكاميرا بتلك الطريقة المفتعلة وهو
يقول أنتم تحاربون تطبيق شرع الله !
هذا باختصار ملخص يومى لكل مايحدث على كل
القنوات الفضائية . وبرغم ماتتيحه تلك البرامج للجميع لإثبات أن لديهم من الوقاحة
والسماجة والجهل مايكفى سكان الأرض إلا أن الإعلام دائما مايجد نفسه متهما بالفساد
. هناك من يرجع لتفسير ساذج أن هذه علاقة الحكام بإعلام دولتهم التى مازالت تتحسس أولى
خطواتها خارج مستنقعات الجهل وهو مايبتعد عن الحقيقة بنفس مسافة ابتعادك عن امتلاك
مفاتيح سيارتك "بوجاتى" الجديدة . ولو نظرت بشيء من التأمل ستجد أن كل
هذه الخلافات لا تعدو خلاف عائلى بسيط .
فكر لماذا لم يكن الإعلام فاسدا عندما جلس
كبراؤهم أمام كاميراته مئات المرات ؟ لماذا لم يكن فاسدا عندما قرر دون أدنى تحقق
أو تأكيد أن اللذين تظاهروا أمام أقسام الشرطة هم "الثوار" وعكف على
ترسيخ قناعة أن الشرطة تفتح أبواب السجون لإرهاب الشعب بالبلطجة ؟ لماذا أصبح
فاسدا فقط عندما نقلت كاميراته مايفعله أبناء "العشيرة" مع المتظاهرين وبدء
مقارنة مايحدث بما حدث فى أحداث بالون الهيليوم الضخم المسمى موقعة الجمل ؟ لماذا
لم يكن فاسدا فى وجود مذيع بلغ من الغيظ مبلغا جعله يقارن مساحة ميدان التحرير
بميدان العباسية لمجرد أن هناك متظاهرين يعبرون عن رأى مختلف ؟ وبالمناسبة لم يجرؤ
على تكرار الأمر يوم تظاهرة طريق النصر .؟ لم يكن فاسدا رغم وجود قنوات تحرض ليل
نهار ضد قيادات الجيش وتدعى بسخافة وجود فارق جوهرى بين الجيش والمجلس العسكرى , لم
يكن فاسدا عندما قام بنقل مؤتمر صحفى لمجموعة بدت وكأنها مجموعة من قطاع الطرق
تعلن نتيجة الانتخابات قبل انتهاء الفرز بساعات وفى توقيت يجعلك تفكر فى الدولة
المعنية بظهور المؤتمر فى هذا التوقيت ليتزامن مع توقيتهم , لم يكن فاسدا فى كل
مرة كان يجب أن يقال لهذا الإعلام أنه يمارس عمله بطريقة مختلة لا ترتقى للحد
الأدنى من المهنية .
لكن ما يثير سخريتك أن هؤلاء الإعلاميين منزعجون جدا من ثرثرة
"العشيرة" عن أنهم قوم فاسدون , ولو فكروا قليلا لوجدوا ماهو منطقى جدا ويفسر
لهم مايحدث وهو أن "العشيرة" اعتادت منهم منهجا منحرفا يقدم لهم
المساعدة ويروج لأفكارهم بشكل مجانى ورخيص ومبتذل واعتادوا أن يقدموهم على أنهم
رفاق الميدان وشركاء الثورة الشرفاء , فمن الطبيعى بعد أن سخروا مايملكون من وسائل
لتلميعهم حتى وصلوا بهم لمقعد السلطة ألا يقبلوا منهم أى انتقاد لأنهم مقتنعون
أنهم أصحاب الفضل . وبرغم أن فى داخلى جزء انسانى يتعاطف معهم فى كل مرة يتعرضون
فيها للإرهاب والمحاصرة , إلا أن وحدة المنطق فى جهازى
العصبى تقول أنهم يستحقون .
K@ReeM
No comments:
Post a Comment