Thursday, April 16, 2015

أشياء غير مهمة فى الزواج




اسم "رام" من الأسماء المهمة فى السينما الهندية. ويكتسب هذا الاسم أهميته من طريقة نطقه الدرامية حين تحين لحظة النهاية فيقوم "شودرى كومار" العجوز الشرير بمناداة البطل الذى يكون غالبا اسمه "رام" قائلا: هاى راااام ! بصوت درامى عميق يغلب عليه طابع التحذير المغلف بثقة عمياء في الانتصار، لكن السينما الهندية لا تعترف بانتصار الشرير. لذا قررت أن ألعب دور الشرير وأترك لك دور "رام" الطيب، فربما تلعب موروثاتنا الثقافية دورا في قلب الموازين. عزيزى رام .. استعد لمشهد النهاية!

هناك بعض الأشياء غير المهمة في الزواج والتي تضطر لأن تدفع مقابلها مبالغ طائلة دون أن تجنى منها أي منفعة تذكر كما يقول الاقتصاديون. النيش مثلا! النيش باختصار هو دولاب خشبي عملاق ذو واجهة زجاجية تتيح لـ"الضيوف" مشاهدة أطباق وملاعق وأطقم كاسات غير مخصصة للاستعمال. لقد قامت أسرة العروس بشراء كل هذه الأشياء فقط لتوضع في النيش حتى يعرف "الضيوف" أنهم كلفوا الزيجة بشكل جيد، أما الأشياء التي يتيح لك عرف الزواج المصري استخدامها تكون غالبا مصنعة من البلاستيك أو الميلامين وتقبع غالبا في غياهب المطبخ. ومن الأشياء الجديرة بالاهتمام فعلا أن هذا "النيش" له أصوله الفرعونية، حيث كان الفراعنة يسمونه دولاب القرابين! وهذا يفسر لك سر تقديس النيش ومحتوياته، بل يجعل عدم الاقتراب منه أو من محتوياته أمر منطقي وبديهي جدا. إنه مخصص للحياة الأخرى!

غرفة الأطفال أيضا هي مثال لروحانية المصريين. الكل يتوقع أنه سيرزق بأطفال قبل أن يتزوج، ويتسارعون في انتقاء أحدث صيحات الموبيليا والدهانات ورسوم الكارتون التى تنتمى لجيل الثمانينيات والتي يقتنعون أنها ستكون موضع ترحاب من طفل المستقبل وليد الجيل المختلف الذى سيكبر ليكون له شخصياته المفضلة بعيدا عن هوس والديه بأن يعيشا طفولتيهما في غرفته من جديد!
ولا تقتصر روحانيتهم عند هذا الحد، بل تمتد لأن تكون الغرفة مكونة من سريرين! وكأنهما أيقنا أيضا أنهما سيرزقان بطفلين من نفس الجنس ولن يضطرا للفصل بينهما فيما بعد، ودون وضع أدنى اعتبار لاحتمال أن ينجبا طفلا واحدا، أو ثلاثة، أو ربما يكون أحدهما غير قادر على الإنجاب من الأساس!

ماذا عن الفرح؟ هو باختصار عبارة عن يوم صاخب تدفع له تكاليف باهظة ليستمتع أصدقاؤك بصنع الثقوب فى مؤخرة بنطلونك متظاهرين ان لا أحد يراهم وانهم فى قمة العبقرية، ولكى تتسنى لهم الفرصة فى مغازلة صديقات العروس اللاتى بدورهن يتابرزن فى اختراع اكبر كمية من الطرح فى ربطة واحدة بطريقة تذكرك بأدمغة المخلوقات الفضائية فى فيلم هجوم المريخ! وهن دائما مشغولات بفستان العروس والشموع وتعديل وضع الطرحة كل خمس ثوان!

وجميعهن بالمناسبة يعانين حالة متقدمة من الرهاب المجتمعي. فكلما تسلطت أضواء كاميرا الفيديو عتيقة الطراز نحو احداهن لتكتشف فجأة أن هناك رسالة لم تقرأها على المحمول أو أن شيئا وقع منها فتنزلق تحت الطاولة أو تكتفى بتغطية وجهها ببراءة.

المعازيم أنفسهم حالة تستحق الدراسة، فكأنك دعوتهم لحضور زفافك لتقييم خدمة البوفيه!
فالساليزون يبدو مهترئا وقطعة البيتزا كانت خالية من البسطرمة. أما الجاتو فهو ردئ مليء بالفانيليا بلا قطعة كاكاو واحدة لأنك عريس منحط، سافل وبخيل. عليك أن تطعمهم من لابوار أيها الشنقيط! ثم يتساءلون عن لحم "العجل" الذى ذبحه جدك!؟ وهنا يظهر مصطلح "ألاضيش" وهم مجموعة البشر الغامضة التى تفوز سرا دون بقية المدعوين بلحم عجل جدك.

ولا يتوقفون عند هذا الحد فقط، لكن دائما العروسة قبيحة وفستانها أقصر من اللازم ومكياجها صارخ عن اللازم ولها ضرس نخره السوس استطاعت إحدى المخضرمات العارفات ببواطن الأشياء أن تكتشفه وهى تلتقط معها صورة تذكارية. كل تلك الملاحظات وهم ممسكون بزجاجات الكولا يجرعون منها فى نهم ولا يتوقفون عن مناداة الجرسونات بحجة أنهم لم يحصلوا على "حاجة ساقعة" حتى الآن! أما ما يقتلهم غيظا هو همساتك فى أذن زوجتك، فيكادوا يدفعون من أعمارهم لمعرفة ما تقولونه فى تلك اللحظات. 

اللحظة الكبرى تأتى عند تقطيع التورتة وهى لحظة مفضلة لدى الكثيرين من السخفاء. وهى عندما يتعمد السخيف الذى يمسك بالشوكة تقريب المسافة بين العروسين ليوهم الحاضرين أنه نمس! حتى العريس يوهم نفسه انه مغلوب على أمره كل ما يريده هى تلك القطعة الصغيرة من الكعكة وكأنه يتضور جوعا! وعندما يحدث ما يريده الجميع وتتلامس شفاه الزوجين يشير السخيف إياه للحضور بالتصفيق وكأنه فاز لتوه بكأس العالم مثلا
!

أما العريس فترى فمه وقد اتسع لأذنيه وهو يلوح بمنتهى البراءة قائلا: غصب عنى غصب عنى! فعلا؟ والعروس المسكينة التى تحاول اقناعنا انها تفاجأت تقوم بمسح فمها بهيستيريا وكأن أصابها الجذام فجأة! لماذا كل هذا التصنع؟ انتم متزوجون بالفعل!

أما الذكرى العظيمة وهى شريط أو "سى دى" الفرح نفسه فهو يصنف ضمن قائمة محتوى سخيف. نفس المقدمة فى كل شريط وهى عبارة عن قرص شمس وقت الغروب تظهر عليه تدريجيا وجه زوجتك العزيزة، ثم فاصل طويـــــــــل مع مجموعة مختارة من الهبال الحركي يقوم به أصدقاؤك طبعا وبجانبه وبحكم التاريخ والعادة حلقة صغيرة من صديقات المدام، وكلهن خجولات وكلهن يرقصن ببراعة سامية جمال فى نفس اللحظة! ثم يعود وجه زوجتك للظهور بخدع رخيصة على بوكية ورد تصورت معه ألاف الزوجات من قبل.

كل ما ستناله من هذا اليوم الصاخب هو كوب عصير عطن الرائحة ومسموح لك برشفة واحدة فقط لزوم التصوير ثم يقوم مدير القاعة بسحبها منك وكأنها عهدة! أنت في النهاية تستأجر مسرحا لإظهار "المعازيم" لمواهبهم في النميمة وقدراتهم الخرافية في أداء مهارات النفاق الاجتماعى.

هذا الترتيب التنازلى يقودنى للحديث معك عن أهمية الزواج نفسه .. الزواج هو أكثر الأشياء غير المهمة في الزواج. لقد ابتلعت الطعم بكوب عصير وقطعة بتيفور وجملة تسمعها على سبيل المجاملة أو المواساة حين يقول لك والدها بصوت درامى عميق: احنا بنشترى راجل! وهى من الجمل التي لا أجد لها تفسيرا منطقيا! لماذا يريد أن يشترى راجل؟ لو كان غرضه التوفير وشراء سلعة معمرة يمكنه أن يشترى شاشة مسطحة فائقة الدقة، ستفيده أكثر من "الراجل" الذى يود أن يشتريه! على الأقل يمكنه أن يشاهد عليها مباريات كأس العالم ودوري الأبطال! لكنك لن تدرك حجم المأساة إلا بعد أن تغوص في الوحل. عندها سيبدأ الحديث عن النيش وغرفة الأطفال وتفاصيل الفرح ومكان قضائكم لشهر العسل.

لاحظ أنني لم أذكر لك أي شيء عن بيت الرعب وأفعى المامبا السوداء المسمى مجازا "طنط"! إن "طنط" ليست مجرد فرد، فهن كثيرات بالمناسبة، ويملكن من الأساليب ما يأخذ حياتك إلى قاع بحيرات البؤس. سأتركك – لو قررت أنك لا تهتم - لتواجه أبشع ما يمكن لكوابيسك أن تتخيله.


عزيزى رام – بصوت درامى عميق – قبل أن تصرخ في وجهى محدثا فراغا هوائيا يتسبب في سقوط الصخرة العملاقة فوقنا لأموت ثم تنجو أنت بمعجزة إلهية كعادة أفلام بوليوود. قف وقفة يذكرها لك التاريخ وحاول أن ننحى خلافاتنا جانبا ونتفق أن الزواج ليس وسيلة لإشهار إفلاسنا! نحن نتزوج لنبدأ حياة، لا لكى نظل نسدد في فواتيره لسنوات.

********************

ها أنا ذا يا ... :) لقد انتهيت من هذا المشروع أخيرا! ربما كان لا يستحق كل هذا العناء وربما لا! المهم أنه تجربة سأخوضها للنهاية بالتأكيد. حان وقت الكف عن الثرثرة والبحث عن دار نشر!