Tuesday, July 9, 2013

دبابيــس .. سيمفونية الإنتصار


 
 
فعلها المصريون .. فعلها من يقول عنهم التاريخ أنهم يستطيعون . وللأمانة لم يكن اكثر المتفائلين يتوقع ما رأيناه , ملايين بحق وإن اختلفت تقديراتها العددية خرجت للإحتفال . أنا أسميه احتفال لأنه لم يكن إلا احتفال بحق , عندما تشاهد الأب والأم والأبناء كل منهم يحمل العلم ويشارك باقى الأسر الغناء والأهازيج فهو احتفال , عندما تشاهد السيدة المصرية بكنبتها الشهيرة فى الشارع فهو احتفال , عندما يحلق من فوقك نسور مصر الأبطال ليطمئنوك وليحثوك على الثبات فهو احتفال . مجرد خروجك وأنت تعرف أنك فى مواجهة جماعة تمارس السياسة بفاشية واستبداد هو احتفال . لقد كان الانتصار أقرب مما نتوقع لكنه كان يحتاج للصبر فقط .
 
 ومن المضحكات المبكيات أن يخرج "العياط" قبل أيام من ساعات الحسم يلوح فى خطاب لمدة ثلاثة ساعات وهو يحاول تغليف نفسه بهالة مزيفة من الهيبة ليظهر كقائد محنك قوى يستطيع البطش بالجميع لولا أنه رحيم و "كيوت" , بل ويتفضل علينا أنه صبر لمدة عام كامل على شعب يرفضه ويرفض استمراره وبالكاد يكبح نفسه عن الفتك بعشيرته , بل ويحاول بمنتهى البؤس أن يصدر لنا اليأس بتكرار قيادته العليا للجيش وهو ما يدل أنه يفقد السيطرة تماما على كل شيء. ثم يخرج مجددا بخطاب "ديليسبس والشرعية" معطيا إشاراته للعشيرة بالتحرك للحفاظ على شرعيته البالية . كنا على يقين أنها مرحلة هذيان ماقبل الإنهيار و قد فهم الشعب مغزى خطاباته المرعبة تلك جيدا وقابلها بما تستحق من سخرية وحشود تليق بخطابات كوميدية بامتياز يستحق من ألقاها أن يسقط من ذاكرة التاريخ كأسوأ حاكم فى تاريخ المحروسة وليس كمجرد رئيس نجح فى ظروف غامضة وعشيرته تلوح بحرق مصر .
 
يبدو لك بعد ساعات الانتصار الأولى أن حلفاؤه العتاة غير مدركين أن الشعب قد غير خريطة الشرق الأوسط بالكامل , أصحاب مشروع الربيع العربى الذى صعد بالطغاة وأيقظ الفتن بين الشعوب يجلسون فى حسرة يشاهدون "سايكس بيكو" الجديدة وهى تتهاوى أمام أعينهم للأبد . يمكنك المقارنة بين موقف إدارة الأوغاد من المعارضة السورية مثلا وهى تحاول دعمها بالسلاح ضد السلطة ولا تهتم بكم القتلى من الأبرياء وبين موقفها من الجيش المصرى الذى انحاز لشرعية الشعب , إنهم يتخبطون بامتياز وهو مايوقظ فى ذاكرتك موقف الداهية العظيم "السادات" من "كسينجر" عندما تلاعب به وبإدارته كأطفال وأدار حربه النفسية بامتياز حتى تمكن من استعادة الأرض . وهاهو الشعب وجيشه وشرطته يسطرون عبورا جديدا فى التاريخ يضيف لتراث الانتصار مزيدا من الثراء . مصر هى مقبرة المؤامرات بحق , منذ بداية التاريخ وهذه الأرض تتحطم على أطرافها أطماع الطغاة . عندما انزعج قائد الهكسوس من صوت أفراس النهر فى طيبة أخرجه أحمس من التاريخ كى لاينزعج حتى بطنين ذبابة , عندما عبر التتار نهر دجلة فوق كتب بغداد انكسرت شوكتهم على الحدود المصرية , سارى عسكر نابوليون لم يستطع المقاومة , جنود بريطانيا العظمى خرجوا من مصر وهم يتكلمون العربية ويأكلون "السجق" , افريقيا بدأت بالتحرر من سطوة الاحتلال بعد ان فعلت مصر , أحلام بنجوريون وجولدامائير واسرائيل العظمى تبخرت على الضفة الشرقية للقنال بخرطوم مياه .. حتى فيما يتعلق بالفاشية الدينية التى عانت منها أوروبا لقرون وتعانى منها إيران منذ سبعينيات القرن المضى أسقطها المصريون فى 72 ساعة فقط .عندما يقرر المصرى فهو يفعل , وعندما يفعل فهو يصنع التاريخ .
 
احتفلوا بما صنعتموه وبما سيفخر به أبناؤكم بعد ذلك , كونوا فخورين أن لديكم جيش عظيم , وشرطة تستعيد عافيتها , لكن لا تدعوا نشوة الانتصار تقودكم للتخاذل , فالتحديات لم تنته بعد , هذه مجرد بداية لرحلة طويلة من العمل الشاق  ومازال أمامنا الطريق ملىء بالعثرات وعلينا أن نجتازها بنجاح كى نستعيد لهذه الأرض بريقها الذى تستحقه من جديد . وفى وسط الإحتفالات والأهازيج لايجب ان نغفل جنودنا المجهولين الذين ظلوا يعملون فى الظل وهم مهددون بالتصفية والمحاكمة فى كل ثانية لكى تستطيع أنت وأسرتك أن تحتفلوا وسط الشوارع والميادين بأمان . لقد أقسموا على حمياتك وحماية الوطن ولو بذلوا فى ذلك أرواحهم , وتذكر أنهم دائما يعملون وفق رؤية ومعطيات لا تملك أنت رفاهية استنتاجها , ودورهم البطولى متروك لإنصاف التاريخ . تحية لكل مخلص ظل على يقين أن هذه اللحظة قريبة . وعاشت مصر .
 
========================
 
استراحة محارب .. تحتاجها دبابيس ويحتاجها الكاتب نفسه  لتجديد وبلورة بعض الأفكار لتعود وخزات دبابيس أكثر رشاقة وفي شكل ومضمون بعيد عن السياسة تماما .. أدام الله علينا نعمة الابتعاد عن السياسة وعن "وجع دماغها" .. وكل عام وانتم بخير .