Tuesday, April 23, 2013

دبابيـــس : قوالب بشرية

المقال بجريدة الدستور الوطنى عدد الثلاثاء بتاريخ 23/04/2013


لماذا لم توجه الولايات المتحدة أو اسرائيل ضربة عسكرية إلى إيران حتى الآن ؟ ما سر الشجاعة الكورية التى تظهر على فترات لتهدد بحرب نووية ثم تخبو إلى لاشيء ؟ كوريا تمتلك السلاح ولن يحتاج المجتمع الدولى لارسال مناديب التفتيش و "الفرس" يحصلون على اليورانيوم وكل ماتفعله الولايات هو التحذير المغلظ بالتدخل لو تم تخصيبه لأغراض عسكرية . فقرة شبه ثابته وتلقى صداها كما هو محدد عند المعنيين من مروجى لعبة صناعة الهلع .
ففى مجتمعنا يأتى دور ذوى الميول السوفييتية المنقرضة بالثناء على يونج يانج ويدعمونه ضد الهيمنة الإمبريالية , أما عشاق كلمة "إسلامى" فينسون خطر التشيع الذى يفجرون به رؤوسنا ويهللون للمشروع النووى الإيرانى ويمطرونك بعبارات مثل "هكذا تكون المقاومة" بينما عشاق الأدرينالين يحاولون اقناعك انهم يلعبون دور "كندا" ويقفون للتشجيع على طريقة " مختلفين معاه بس بندعمه فى حقوقه" . هذه القوالب البشرية المدربة والمعدة سلفا للنسخ والطباعة تملأ أى مجتمع ويتم تصعيدها اعلاميا فيظهروا رغم ضحالتهم ليأثروا فى آخرين ممن تعجبهم لغة الهتافات الرنانة وهذه القوالب شملت بداية من مرشحى الرئاسة حتى أتفه "ائتلاف" تم تشكيله وسواء كانوا من أصحاب الهوى الاشتراكى أو الإسلامى أو الثورى فهم فى الحقيقة لايقدمون أى شيء على الإطلاق .
ذوى الميول الإشتراكية مثلا والمتحدثين عن أحلام البروليتاريا كل منهم وجد فى نفسه "جوركى" دفين , وبشكل ما ينسى فى كل مرة اخفاء مظاهر الصناعات الإمبريالية الظاهرة عليه كجهازه اللوحى وهاتفه الذكى , فربما لم يدرك أن الاشتراكية لم تنته فقط حتى فى الدول التى اخترعت هذه النظريات بل توقفت تماما عند صناعة سيارات "لادا" حتى شكل السيارة عام 2010 هو نفسه لموديل عام 117 قبل الميلاد لم يتغير .
اما الاسلاميون فهم منهمكون بتطبيق الشريعة والنظام الاقتصادى الاسلامى وكل منهم يحسب أن تجارته للأجبان والبسطرمة تؤهله لقيادة اقتصاد دولة ليبدأ بتوزيع نظرياته الاقتصادية لصبغ كل الأنشطة بصبغته الاسلامية كما لقنوه , السياحة حرام لأنها عرى وأصنام ويمكن استبدالها بسياحة الحجامة والتزحلق على الرمال , ولابد طبعا من توسيع تجربة البنوك الإسلامية , رغم أن أى طالب تجارة محترم يعرف أن لافرق بين بنك عادى وآخر اسلامى سوى مسميات الحسابات الختامية وأن الفوائد التى يصنفونها "ربا" موجودة فى البنوك الإسلامية لكن بمسمى "الريـع" الناتج عن عمليات "المضاربة" . سيقول لك متحاذق ملتح أن المضاربة يمكن أن تأتى بربح أو بخسارة , صفق للنابغة أولا ثم اصعقه بأن البنوك الإسلامية أيضا لاتخسر ولايوجد عميل لها فقد من ودائعه بسبب المضاربة كما أن الريع نسبته تقترب من نسبة ثبات الفائدة , ولو سألته مثلا عن الفرق بين الناتج القومى والإنتاج القومى ستكون اجابته ببساطه أنك علمانى تسعى لإفشال مشروع الخلافة . أى خلافة أيضا ؟ تاريخيا انتهت الخلافة الراشدة بمقتل سيدنا عليُ رضى الله عنه وبداية من الدولة الأموية حتى اسقاط العثمانيين كان الخليفة دائما هو "الوريث" وهو مايخالف "الشريعة" وللمفارقة أنه نفس السبب الذى يدعون أنهم ثاروا ضد "مبارك" من أجله .
أما عشاق الأدرينالين فدائما يحاولون إيهامك أن هدفهم هو تحقيق الحرية والعدل بغض النظر عن أيديولوجيتك لذا يصنفونك كلاحس بيادة وعبد وفلول ويحظرونك من متابعة مايقولون أو يكتبون وعليك أن تقدر ما يقومون به من جهاد مقدس حتى لو كان خلف (الكيبورد) ودورك مقتصر على الإنصياع لأى بلاهة يتصورون أنها أفكار عظيمة . أما عن تقمصهم لدور "كندا" فهو موسمى وقاصر على "الشلة" فهم لم يكترثوا لشهداء رفح بينما امتلأ الانترنت بصور سونار تخص ابن الرفيق . مظاهرات لمحام حاول تهريب أقراص مخدرة ولم يتحرك أحدهم نصرة للمحتجزين فى ليبيا .
هذه القوالب مهما اختلفت ظاهريا يتفقون فى أنهم مهما هاجموا دولا بعينها دائما يتلقون منها الدعم من باب خلفى , ومحاولة تفكيكهم لأركان الدولة فلا يأخذك الحماس خلف هتافاتهم لأنها من باب "تحليل القرشين" . أما صراعهم فهو يسير وفق آليات محددة , ففريق يهددك بالمتشددين لو تم اسقاطه وفريق يلوح لك بثورة الجياع وفريق يرسخ لك فكرة الصراع الوهمى بين الثورة والرجعية لتبق أسيرا للعبة الهلع التى يبرعون فى تسويقها والتى مهما حملت من مظاهر الحقيقة فهى تهدف لإخضاعك لبدائلهم . راقب واستنتج ثم قرر ان كنت تود التحول الى قالب مبرمج أو مجاراتهم فى اللعب حسب قوانينك الخاصة .
K@ReeM

المدينة البائسة .. تجربة تأخذ كلماتى المتواضعة والتافهة أحيانا إلى أسلوب جديد أحسب  - وهو احتمال يمكن نسفه - أنه يستحق .. لكنها حكاية أخرى .

No comments: