Wednesday, August 21, 2013

دبابيـــس .. رأفت الهجاص







إن "رأفت الهجاص" ليس شخصا بعينه , هو حالة تصيب هؤلاء المدعين الذين يقتاتون على المعاناة , هو ذلك الفارق الحاد بين من يراهم الناس أبطالا وبين يحاول أن يبدو كذلك وسط صيحات التشجيع الباهتة من قطيع يتبعهم , هو رد فعلك الساخر - باختلاف التنقيط - على من يحاول المقارنة بين "خضر التونى" كبطل استثنائى فى رفع الأثقال مثلا وبين "دوناتيللو" السلحفاة الذى يمكنه حمل ميكروباصه الأصفر بيده ذات الثلاثة أصابع فيلم كارتونى. "رأفت الهجاص" هو الشفرة الجينية الخاصة بنسخ الزيروكس البشرية التى تعيش من حولك باختصار وأنت لاتملك الرفاهية الكافية لكى تعيش فى معزل عنهم على الأقل فى هذا التوقيت .


بعد نجاح مظاهرات يونيو مثلا انحسرت آخر موجات وجوه يناير للأبد , فما كان منهم إلا أن يحاولوا تطبيق نموذجهم الخاص بـ "رأفت الهجاص" بمحاولة ترويج أن يونيو ماهو إلا موجة من موجات يناير . وهى دعابة تذكرك بنكتة ( قطز وقطر ) فقطز لم يكن عالم ذرة وقطر ليست دولة أوروبية ويمكن إضافتها كحديقة عامة فى شارع ما بالجيزة بكل أريحية لو أمكن نقلها بتكاليف نقل معقولة , وكذلك يناير . فهو لم يكن شيئا لكى يكون له موجات !. ومع ادراكهم المخز لفشل مساعيهم تم استدعاء نموذجهم الأعظم لـ"رأفت الهجاص" وهو البرادعى وألبسوه تاج عجوة يناير على أمل أن بإمكانه استعادة بريق أنهاه التاريخ  باستحقاقاته الجديدة , وبدأت الموجة .. ها هو البرادعى رجل الدولة الذى حاربه مبارك لأنه أدرك بحس الديكتاتور الفنى أنه جلاده , ها هو غاندى الفرعون الذى حاول العسكر ازاحته خوفا من "كاريزمته" الحارقة , انه البرادعى الذى خونه الإخوان خوفا من قدرته على ادارة عملية تنوير العقول , وسع للبرادعى الذى لايقدره العوام الذين ندعى أننا قمنا بثورة يناير من أجلهم لأنهم محض جهلاء أوغاد ودهماء لايقدرون العبقرية . ثم ينتهى دور نموذجهم بانسحاب مخز فى أول تحد له كان يمكنه أن يثبت من خلاله أنه رجل على الأقل تاركا قطيعه المخلص فى حالة من الإنكار الذاتى الحادة .

وبمناسبة استعادة الماضى قفزت إلى ذاكرتى تلك المشاهد التى كان يقف فيها المتظاهرون بمحاكماتهم ومشانقهم أمام مجمع التحرير فى موقف يمكن تصنيفه أنه الأكثر بلاهة فى التاريخ الحديث . لقد قرروا أن الثورة عادلة لذا كان يجب ان يحاكموا رموز النظام السابق محاكمات عادلة , وأن يعدموا أيضا . هكذا ببساطة !. وكان الانطباع العام وسط هذا الجو المشحون بالادرينالين ورائحة أحبار النسخ البشرية أن أيديهم ملطخة بالدماء , أما الآن فهم يتقمصون نموذجهم الخاص من "رأفت الهجاص" لأن الدم حرام طبعا . لا يمكنكم أن تفضوا اعتصامات سلمية مسلحة بالجرينوف والآر بى جى بهذه الوحشية أيها القتلة , من العار أن نطارد ونحاكم من يحملون السلاح فى وجوهنا لأنهم فصيل وطنى . حالة من الطفح الإنسانى الملفتة التى تقودك للتساؤل , هل هم بهذة الانسانية فعلا ؟ لايمكنك نفيها ولكن يمكنك أن تشم رائحتها المزيفة لما يميزها من عطن , متى اكترثوا للدم الذى طالما تاجروا به على الشاشات ؟ انهم لايريدون أن يخسروا فحسب, فبسقوط التنظيم التام - وهو وشيك جدا بالمناسبة - والذين ساهموا فى نجاحه على أمل الإيحاء بنجاح ثورتهم ينتهى كل شيء بالنسبة لهم . الخروج من المشهد وهم محملون بخزى ماحدث طيلة المدة السابقة هو أسوأ كوابيسهم على الاطلاق بعد أن ظلوا يقتاتون على ما توهموا أنهم حققوه . انها معركتهم الأخيرة ويتوهمون أن "رأفت الهجاص" يمكنه انقاذهم .

أما الإخوان أنفسهم فهم لايستطيعون الحياة إلا على نماذج "رأفت الهجاص" . فنموذجهم الثورى هو "صفوت حجازى" الذى وعد معتصمى رابعة عدد شعر رأس "عبدالفتاح الجرينى" بأنه سيعود يوم الأحد , ولم يأت ذلك الأحد أبدا . حتى تفرغ فى النهاية للعب دور "أم ممدوح" وهو يقنعهم بإعداد الكحك والبيتيفور وسط الميدان . وعن نموذجهم الفنى لديهم "وجدى العربى" الذى لا تذكره إلا فى دور طالب الجامعة الاشتراكى الأبله فى فيلم "احنا بتوع الأتوبيس" وبالمناسبة ففى مشاهده كنت اتعاطف مع من يعذبه لأن أداؤه كان مفتعل جدا ويستحق التعذيب عليه . أما نموذجهم القيادى فحدث ولا حرج عن "أبو اسماعيل" الذى فشل حتى فى مضاهاة "دوناتيللو" السلحفاة فى بطولاته وكان دائم العجز العضلى كلما احتاج إليه القطيع . والانضمام للقطيع بالمناسبة أيضا ليس مجرد تقبيل لليد اذعانا للسمع والطاعة ولايشترط ذلك فيه , يكفيك أن تكون قابلا للتغييب لتصبح فردا عاملا , وأحداث العباسية ليست بعيدة لتنسى .

ولأكون على قدر من الانصاف فنموذج "رأفت الهجاص" قد وجد طريقه للمعسكر الآخر أيضا , لدرجة دفعت البعض وإن كان بعضهم قد تأثر بشكل مؤقت فقط , لكن آخرون لعبوا دور النيتروجين السائل كلما شاهدوا أن الغضب وصل إلى مربعات الغليان ليخلوا بعد ذلك لدوائرهم المغلقة يتفاخرون بأنهم كـ"فلول أصليين" - وكأنهم الهنود الحمر مثلا - أنهم توقعوا كل ذلك من البداية وأن الأوغاد عليهم أن يدفعوا الثمن وكم هم أذكياء رائعون أكثر من اللازم .. عزيزى "رأفت" ماهو الاكتشاف الجديد الذى قدمته مثلا ؟ ماهى النسبة المئوية للانبهار المطلوب أن أشعر بها عندما أقرأ ماكتبه كل عاقل فى مصر منذ قرن مضى ؟ كان أقصى أحلامك أن تعود الدولة ككيان صلب وقانونى لحدود ماقبل يناير وها نحن نقف معا على الحافة لتحقيقه . يمكنك أن تتخلى لو أردت عن دور "رأفت الهجاص" لأنه لايليق بك وتتابع , أو تتوقف مكتفيا بملاحاظاتك الأسطورية عما يحدث .

العالم مليء حقا بنماذج "رأفت الهجاص" بكل ماتحملها من سخف وسماجة وحماقة , ويمكنك بقدر قليل من الملاحظة أن تميز بين ما هو حقيقى وبين مايثير غثيانك . فالحق أبلج والهجص لجلج كما قال زعيم كوكبهم من قبل .

No comments: