Tuesday, August 27, 2013

دبابيـــس .. قرود السيرك








فينوس فى معطف الفرو .. رواية مثيرة للجدل بجدارة , ومايثير غرابتك أكثر أن مؤلفها "ليبولد زاخر مازوخ" قد استقى أحداثها بشكل يتطابق مع واقع قد عاشه فعلا مع عشيقته البارونة الجاليشية "فانى باستور" وهى تدور باختصار دون التطرق لأية تفاصيل عن شاب يتلذذ بإذلال عشيقته له واهانته ومعاملته كعبد . الخلل النفسى الخاص بالمؤلف وتاريخه الحافل بالمواقف المشابهة التقطه أحد الأطباء وأطلق عليه اسم "المازوخية" وهو مشتق من اسم المؤلف نفسه كمصطلح لتعريف هذه الحالة من الشذوذ السلوكى , لكننى فى لحظة ما فكرت ان ذلك الطبيب لم يسعفه الزمن للوقوف على تفسيره الكامل لاكتشافه العلمى لان الفترة مابين يناير 2011 حتى اغسطس 2013 كانت لتقدم له فئران تجاربه بشكل مجانى .

تتسائل الآن عن سر العلاقة بين السياسة والشذوذ السلوكى والمازوخية بشكل خاص , يمكن أن تفهم ما أعنيه بالنظر إلى حال من يطلقون على أنفسهم حقوقيون . إنهم بادعاء فج يحاولون اقناعك أن دفاعهم عن الحقوق الانسانية هى المحرك الأسمى لهم . حسنا , أى انسانية تحديدا ؟ تلك التى تدفعك كأرقى الكائنات الحية للعطف على الكائنات الأقل رقيا منك ؟ أم تلك التى تجعلك تقطر دما بدلا من دموعك لان بطل الفيلم الهندى مات فى سجون باكستان وهو يتصور أن حبيبته فى انتظاره رغم أنها تزوجت منذ عقدين ولديها خمسة أطفال يعانى أحدهم من جرثومة المعدة لإفراطه فى تناول الإندومى مثلا ؟

دفاعهم عن الحقوق الإنسانية لايمكنك تصنيفه ولايمكنك حتى من باب المجاملة أن تربطه أو تقيسه بسلوك ثابت . وافتراض الثبات تأتى من افتراض أن الانسانية كمبدأ لايمكن تجزئته . لكن قواعدهم التى يبنون عليها دفاعهم عن الحقوق لاتعترف بالثبات السلوكى لأنها بالطبع لاتستند إلى مبدأ يمكنك القياس عليه كقاعدة , بل يحركه انحراف حاد فى تعريفهم للإنسانية ذاتها أو مدى اعترافهم بانسانية الشخص قبل أن يفكروا فى الدفاع عن حقوقه .

هل تذكر قضية رفيقهم "عيلاء" ؟ بادئ الأمر كان صراخهم عن حقوقه من منطلق انه شخص مدنى لايجوز محاكمته أمام قاض عسكرى بالرغم أن القضية تستلزم ذلك وفقا لأحكام القانون , وبعد تحويله لقضاء عادى انفجروا من جديد دفاعا عن حقه الانسانى فى عدم المحاكمة من الأساس لأنه ثائر وهذه المحاكمة هى محاكمة لفكرة الثورة نفسها ! لقد انتقلوا من مبدأ عدم جواز المحاكمة أمام قاض استثنائى إلى مبدأ عدم جواز المحاكمة أصلا , الثائر لايجوز محاكمته لأن هذا ظلم . ثم تتساقط فوق رأسك أغان ومعلقات عن ضحكة المساجين وأن الزنازين عامرة بأولئك الثائرين الصامدين التى لاتقدر الجدران على قمع معتقداتهم النبيلة . لم يمر الوقت طويلا حتى برزت قضية المحام الذى حاول تهريب أقراصا مخدرة فى دولة شقيقة لتنفجر الحناجر عن الحق الانسانى فى تهريب المحامين للأقراص المخدرة وأن مجرد التعرض لهم هو انتهاك صارخ لحقوقهم , مرورا بأسطورة "سامبو" الذى اعتبروه بطلا لمجرد أنه اعتدى على قوات الأمن بل وسرق سلاحا أيضا .

إلى هنا يمكنك اعتبارهم مجموعة من قرود السيرك العجائز الذين يحاولون لفت نظر الجمهور من أجل بعض "الفول السودانى" والتصفيق على سبيل المجاملة , لكن الأمر لايتوقف عند مجرد لفت الأنظار بل يمتد لانحراف سلوكى شاذ وحاد . فمع مذبحة رفح فى رمضان كان يمكنك بأبسط قواعد الملاحظة أن تقف على خطورة انحرافهم السلوكى المقيت لأن معظم المدافعين عن حقوق الإنسان أبدوا ارتياحا وسعادة فى مقتل الجنود لأنهم "عسكر" والعسكر كان من وجهة نظرهم ضد الثورة فبالتالى لايجوز أن تدافع عنهم أو تجد مبررا لتتعاطف مع ذويهم المكلومين لفقدان أبنائهم . حتى لو اعتبرنا أن أى شىء يمت بصلة للقوات المسلحة يسبب لهم نوع استثنائى من الحكة فلايمكنك أن تتغافل عن صمتهم تجاه المصريين الذين تم احتجازهم وتعذيبهم فى ليبيا على سبيل المثال .

لكن الصمت لايعنى اعتزال قرود السيرك للعمل طبعا , فمع بداية الحملة الإرهابية المنظمة لاستعادة نفوذ الجماعة التى تعتبر بمثابة فصيلهم الوطنى التاريخى بدأ جين الحقوق الإنسانية يباشر بناء البروتين الخاص به .. إن مشاهد الدماء سوفاج , انهم ليسوا ارهابيين بالفطرة والحدة لاتجلب إلا مزيدا من الاحتقان ويمكننا احتوائهم وعلاجهم نفسيا فى مصحات تقدم لهم الكورن فليكس بالحليب منزوع الدسم على وجبات الإفطار . بعضهم اتجه للمغالاة موصفا أن السكوت على عمليات "التصفية" التى تحدث لفصيل سياسى تحت مسمى خطر الإرهاب ماهى إلا بداية قمع أى تيار سياسى معارض سيقف فى طريق الدولة البوليسية التى تعيد بناء نفسها من جديد . دعك من أنه أبله بالفطرة , لكنه ببساطة قد ساوى بين الصراع السياسى وبين الارهاب المسلح فى الشوارع بل واعتبر أن كل من يحمل السلاح فى وجه الدولة ومواطنيها هو انسان له الحق فى التعبير عن وجهة نظره السياسية وأن محاولة منعه هو قمع لممارسته حقوقه !. ثم جاء الأمس القريب بقرار القضاء اخلاء سبيل الرئيس السابق ليبدأوا رقصة جماعية مبتذلة عن حق الاموات وجرائم الفساد وأنه خرج ليحكم من جديد مع عبارات رثاء لثورتهم منتهية الصلاحية فاقدة الزمن فى يناير , ولو وقفوا أمام أنفسهم لثوان لاعترفوا أنه انسان وانهم كمدعين بالدفاع عن حقوق الانسان أنه قد تجاوز مدة حبسه احتياطيا ولايجوز احتجازه كحق انسانى مجرد 

دعنى ألخص لك المشهد .. حقوق الإنسان نفسها نوع من أنواع التجارة الرائجة هذه الأيام وهم ليسوا إلا فصيل من أولئك التجار فى سوق الهوس بضرورة صحوة الضمير الإنسانى . هل يمكن أن تجد مبررا لدفاعهم المستميت عن رفاقهم الثائر و المحام وبين شماتتهم فى دماء جنود بسطاء ؟ هل تجد تفسيرا لحالة الأرتيكاريا المزمنة من مجرد ذكر اسم "مبارك" والصراخ بضرورة سجنه أو اعدامه لأنه فاسد وبين دفاعهم المستميت ولو بشكل مستتر عن جماعات ارهابية ؟ الإنسانية هنا ماهى إلا ابرة مغناطيسية فوق بوصلة من المصالح والأهداف المعقدة أهمها أن طوطم يناير الذى شيدوه بالترهيب والإقصاء فى طريقه لجنازة بلا مشيعين وقبر بلا شاهد وهو كابوس يجرهم للدفاع باستماته عن أى شىء يتعلق به . الأمر المنطقى الآخر أن الانسانية لديهم تقترن بمدى اقترابك من أهدافهم , فلو كنت قريبا بدرجة كافية يمكنك أن تكون انسانا فى نظرهم ليدافعوا عنك , أما لو كنت من معارضيهم فهذا سبب كاف لتصنيفك كعبد لايستحق عناء الشفقة .


 تصنيفهم كمازوخيين سياسيين لايقف عند مجرد سلوك شاذ , بل يتطابق هذا السلوك مع تعريف المازوخية نفسها بشكل يكاد يتفوق على "زاخر مازوخ" نفسه , فهم دائما بحاجه لاختراع جلاد يعطيهم الإيحاء اللازم الذى يمكنهم من الاستمتاع بخيالهم المريض الذى يعيشون فيه متلذذين بالقهر . إنهم لايدافعون عن شيء , هم يبحثون عن لذة الصراخ .

No comments: