Tuesday, September 10, 2013

دبابيـــس .. نص رغيف






تخيل لو وقفت "فايزة أحمد" بوقارها المعهود وهى تستعد للغناء فى احتفالات ثورة يوليو وخلفيتها الموسيقية تدندن ببعض المقامات الشرقية كعادة الحفلات فى تلك الفترة , ثم تصمت الموسيقى لحظة استعدادا للطرب الخاص الذى لايضاهى "فايزة أحمد" فيه أحد . وفجأة تجدها تمسك بالميكروفون وهى تغنى : "وحط ايده ياه على ايدى ياه" على ايقاع مزعج يخدش حياء الأذن الوسطى ثم يبدأ الجمهور بالرقص وهم عراة النصف الأعلى !.  إنه "شيء لايسدكه عكل" كما تقول الرائعة "شويكار" لأن حتى مجرد التخيل يدهس فكرة المنطق بسيارة دفع رباعى . لكن هذا مايبرعون فيه الآن . لماذا نحاط دائما بمجموعة المسوخ "إياها" التى لاتكف عن محاولة اقناعك بأن التخلى عن دماغك وتحولك إلى زومبى هى أسمى تجارب الإرتقاء بالمستوى الإنسانى ؟

الإعلام لدينا للأسف وطبقا لنظرية "نص رغيف" التى سنشرحها فيما بعد يجعلهم يتدفقون إلينا بشكل يومى ومتكرر لدرجة تدفع بعض الضيوف من المسوخ لحضور البرامج واحدا بعد الآخر ليقول نفس الهراء الذى سبق وامطرنا به منذ خمسة دقائق على محطة أخرى , والممتع فى الأمر أنه فى كل برنامج يقول مايقول وكأنه الوحيد الذى يملك خريطة العثور على القارة اطلانتس المفقودة مثلا !.
هناك دائما ذلك الخبير الأمنى خريج معهد "كبس القش" الذى لايكف عن تقييم وضع يجهل أبعاده تماما , لكنه ينفعل جيدا ويبدو غامضا لدرجة تثير الريبة لذا فهو جيد , المسخ الغامض يبلى بلاءا حسنا فى لعبة سد الفراغ الإعلامى ببراعة , فهو لايقدم أية أفكار سوى النواح ولايكف عن استشعار الخطر المحدق بالجميع . وكعادة كل خبير أمنى يحترم مهنته فغموضه ليس مجانيا على الإطلاق , فكلما زادت سماكة الظرف المغلق كلما ازداد ابداعا فى استشعار الخطر .

الضيوف من المسوخ الحزبية كذلك لا يقل أحدهم امتاعا عن زملائه من نفس المهنة أو من زملائه من المسوخ الآخرين , ومهما كان حجم الاختلاف الأيديولجى "الوهمى" فهم جميعهم يشتركون فى رقعة واسعة من البؤس . الصراع بين اليمين واليسار والمحافظون تتلاشى جدرانه تماما وسط مايطرحوه من عبث , فاليمين فكرته قائمة على أساس محاكم التفتيش , هل أنت مسلم ؟ إذا انضم إلينا . لاتريد الإنضمام ؟! إذا فأنت عربيد فاسق ماجن علمانى ليبرالى فاجر كافر ومنحل . اليسار ! من المضيعة للوقت أن أتحدث عن فترة العصور الحجرية , لكن المبهر فى ذلك اليسارى الذى يملك ارقى الوسائل التكنولوجية أنه يبيع لك الفشل باعتباره قمة "العدل الاجتماعى" فهو يرى أن من حقه كانسان تافه وكسول أن يتساوى مع آخر لديه من المهارة مايكفى لمجرد أنه يرى فى ذلك عدله الاجتماعى المنشود . أما المحافظون فهم الفلول كما يراهم أى يسارى أو يمينى .

هذا التخبط يقودك لفكرة الصراع الأيديولجى نفسه , هل تعرف معنى الليبرالية حقا ؟ نعم إنها الطريقة التى تجعل حزب ليبرالى شهير يتحالف فى فترة ما مع فصيل يختلف تماما مع أيديولجيته لمجرد أن فى ذلك ضمان لبعض المقاعد البرلمانية , وهو نفس الحزب الذى يسعى لنفس التحالف الآن ولكن بشكل مستتر ضمانا لمقاعد برلمانية أيضا على أمل أنه سيشكل الحكومة فيما بعد , وفى المقابل لاتتعارض المرجعية الإسلامية المدعاة مع التحالف مع بعض الفسقة واستخدامهم كدابة تحملهم إلى مقاعد البرلمان أيضا .

نعود إلى المسوخ وهذه الفقرة خاصة بالمسوخ المستقلين .. المسخ المستقل يمكنك تمييزه طبعا لأنه لاينتمى لفصيل سياسى معين حتى لو كان يدعم "أبوالفتوح" فيما مضى , لكنه كذلك لاينتمى إلى نفسه . هناك رجل كان عضو أمانة لجنة السياسات قديما لكن هذا لايعنى طبعا انتماؤه للنظام القديم لأنه مستقل كما نعلم . هو لا يكف عن تصدير فكرة المصالحة مع الإرهاب , بالرغم من أنه لم يتصالح مع مجرد قاطع طريق عكر عليه صفوة أمسية قمرية مع خطيبته !. هناك مسخ آخر أيضا وهو كاتب بالمناسبة وصاحب علامة مميزة فى تراث السينما المعاصرة لما يقدمه من أفكار عظيمة , وكانت أقصى مشاكله مع مرشح رئاسى سابق أنه يرتدى "بلوفر" , رغم أن هذا العبقرى لو نظر لنفسه لحظة لوجد أنه المسخ الوحيد الذى يظهر على شاشات التلفاز بـ "جاكتة البيجامة" . لذا أجد من الغرابة أن ينتقد الآخرين بسبب المظهر العام أو الملابس بشكل أكثر خصوصية .

أخيرا لدينا المسخ الأخلاقى , صاحب المبادئ التى لاتتجزأ ولايمكنك أن تنال من مصداقيته أمام نفسه وأمام من يعتبرونه قدوة . إنه يجد من الفظاظة والعيب أن تفتح القنوات الفضائية أبوابها لمحام لايحمل إلا التطاول على خصومه وتهديدهم بالأوراق و "السيديهات" , لكنه متابع جيد لمقدم برنامج ساخر ويعتبره طفرة فى مجال الإعلام رغم كل ماتحمله حلقاته من إيحاءات ومبالغات فظة كثيرا . الأمر متشابه لو شئت الدقة , لكنه بعين المسخ لايمكنه أن يكون منصفا على الإطلاق .


تسأل الآن عن معنى " نص رغيف " وعلاقته بالمسوخ , حسنا .. لدينا فى مصر "ساندوتش يأتيك فى نصف رغيف  نسميه "الصاروخ" وهو عبارة عن( فول + بيض + بطاطس + سجق ) وهناك بعض المحلات التى تبدو أنيقة تضيف إلى هذا الخليط المزعج "كاتشاب" باعتبار أنه قطعة الكرز فوق كعكة عيد الميلاد لكى تكتمل أناقة المشهد  , هذا الخليط يعتبرونه وجبه , وهو فى النهاية ليس إلا مجرد "عك" . كذلك الإعلام .. يقدم لك مختلف أنواع المسوخ من خلال شاشة ليقدموا كل أنواع الهراء باعتباره .. سياسة .

No comments: