Tuesday, January 7, 2014

فيـلم رعـب





منذ زمن وأنا أحاول احتراف الكتابة , لكن للقدر أسبابه الخاصة دائما . أصحاب دور النشر غالبا لايغامرون مع المبتدئين أمثالى إلا لو تحملت قدرا لا بأس به من تكاليف الطبع والإصدار , ومهما كان حجم رغبتى فى الانتشار فأنا كأى جشع صغير يريد أن تجنى أفكاره نقودا وكأى طموح لاتشبعه عبارات الثناء والشكر .  لكن يبقى السؤال قبل أن أتوجه لأى دار نشر , ماذا سأكتب ؟ قصص قصيرة ؟ لن يقترب أحد من مكانة العظيم "يوسف ادريس" مهما حاولنا , روايات ؟ أنا بطبيعتى انسان ملول لن أصبر على اعتصار مخيلتى لحشو صفحات بلا داع , مقالات ؟ مكانها الانترنت كما أنها غير مربحة من الأساس والجميع يمكنه كتابة مقال فلاشيء مميز .. لنجرب السخرية ؟ مشروع فاشل , لقد وصل بها الرائع "أحمد رجب" لقمتها وخسف "باسم يوسف" بمفهومها الأرض , وبين شقى الرحى هناك الآلاف من أمثالى .

لحظة ! سأصبح كاتب قصص رعب , كيف لم تخطر لى هذه الفكرة من قبل ؟ لايوجد لدينا كتاب رعب فعلا باستثناء "د.أحمد خالد توفيق" وله مدرسته الخاصة , أنا أتحدث عن رعب مثل "الطيور" لهيتشكوك مثلا , أجواء "ستيفن كينج" القابضة وكآبة "ادجار ألان بو" , القلق من نظرات طفلك الخاوية , صرير الأبواب فى الشتاء وانقطاع الكهرباء فى عهد مرسى , ستائر غرفة النوم التى تتراقص بلا رياح , رعب الظلال الغامض ,  تلك اللمسة الباردة التى تسرى فى أوصالك – لمسه وباردة وأوصالك ! لقد اكتشفت نفسى فعلا !- عندما تتكور قطتك حول نفسها كقنفذ وتزوم دون سبب واضح . هكذا تكون الأفكار !

حسنا سأجرب كتابة سيناريوهات سينمائية مرعبة .. هاهى أرضية جيدة لنبدأ من مكان لايستطيع أحدهم منافستى فيه , فحتى السينما لم تقدم للمشاهد المصرى السيناريو المرعب الذى يستحقه , ففى تاريخ أعمال السينما لايوجد إلا "الانس والجن" و "التعويذة" تقريبا ويمكن تصنيفهم كأعمال كوميدية . فيلم التعويذة مثلا اعتمد على نمط الرعب الشيطانى وعندما حانت اللحظة التى تم تأجيلها طوال أحداث الفيلم يفاجئك المخرج بماكيت كرتونى ذو رأس أحمر وقرنين و"رجل معزة" ويحاول اقناعك أن هذا هو "بعلزبول" نفسه ! لا يهم , سأضع تصوراتى المبدأية لبعض السناريوهات التى سأغير بها خريطة السينما المصرية للأبد ..

رعب المسوخ : المسخ هو كائن ملعون تم دفنه منذ آلاف السنين ويحتاج لعامل بيولوجى لإعادة تنشيطه , وهذا مالم يدركه ذلك الطفل البائس دائم الركض بلا سروال ولسوء حظه أنه قرر التبول فوق مقبرة لعشيرة من الزومبى ! وفى أثناء استمتاعه بممارسة أقدم أنواع الرى تشاهد مذابحهم الوحشية فى مشاهد فلاش باك إلى أن انتصر عليهم الملك تحوت على مشارف محافظة الفيوم وبفضل حماقة طفل بلا سروال عادوا للحياة لتبدأ اللعنة من جديد ! هذه الطريقة تحمل حبكة لا بأس بها لكنها غير قادرة على اخافة ذلك الطفل عديم السراويل , سيشاهده ويضحك طبعا , لقد ربته جدته العظيمة على حكايات أبطالها "أبو رجل مسلوخة" و "أمنا الغولة" ولاحظ أنها "أمنا" , أى أن مشاعرك تجاهها ستغلب خوفك, وبالتالى ربما يكون هذا المسخ هو خالك الذى سافر للعمل فى الخليج يوما ما وسيعود ومعه البطانية الكاروهات إياها ...  النتيجة : فشل .

رعب الكائنات الغامضة : حسنا , لنتحدث الآن عن سمكة لها ذيل كالأفعى المجلجلة ولها أزيز معين يعرفه سكان ومصطافى بلطيم جيدا وهو الأزيز الذى يجعل الحاجة عواطف تركض مخلفة ورائها تل من شطائر الحواوشى دون أدنى شعور بالندم . التضحية بالحواوشى أهون من أن تكون طعاما لسمكة متوحشة غريبة الأطوار . تيمة الأسماك المتوحشة تلقى رواجا لا بأس به خاصة بعد أن نقلها "سبيلبيرج" إلى مستوى آخر , لكن أى سمكة تلك التى تستطيع بث الرعب فى نفوس المصريين ؟ لقد أكل المصرى الديدان باعتبارها جمبرى , وأكل كائنات أكثر غرابة سوداء اللون ووجدها شهية لأنها تشبه الاستاكوزا قليلا , فالبتالى لو وجد أسماك البيرانا ذاتها فستكون اضافة بروتينية هائلة على شوربة فواكه البحر , حتى لو وجدوا تلك السمكة التى لها ذيل الأفعى المجلجلة سيسمونها "شخشيخة البحر" وسيأكلوها ... كل شيء عند المصريين صالح للأكل حتى يموت أحدهم بسببه , عندها تصبح حادثة قضاء وقدر عادية لاتؤثر فى استمتاعهم بلذة الأشياء ... النتيجة : فشل مخز .

رعب الموتى الأحياء : يحمل المصريون احتراما خاصا للموت منذ أن كان التاريخ نفسه طفلا يلهو فى بهو معبد الكرنك , بل ويصل احترامهم للميت أن يعاملوه بكرم أكثر مما كانوا يعاملونه به وهو على قيد الحياة فمابالك ومع كل هذا التقدير أن يعود الميت للحياة ؟ لاشيء طبعا , سيستضيفهم "وائل الإبراشى" ليحكوا له عن حياة البرزخ , وبالتأكيد هناك مشاهد ضليع فى أمور الأموات سيظهر ليكذب كل مايدعيه هؤلاء الأوغاد , فيرد أحد الأموات عليه فى غضب : احنا اللى كنا ميتين وانت فى قاعد فى بيتك ماتزايدش علينا !. انظر لمن حولك جيدا , فى المترو , فى المواصلات , هل تشعر أن البشر من حولك على قيد الحياة من الأساس ؟ الموظف الحكومى الذى يسترد روحه ليقول لك : شباك خمسة يا استاذ , ثم يموت من جديد هل شعرت للحظة أنه كائن مخيف ؟ ها أنا أفشل من جديد .

سأحاول إخافتهم بالكونت "دراكيولا" , لكنى متأكد أن هناك من سيقوم بتثبيته على الدائرى وهو يصيح بصوت مخمور : هات الكيلادة اللى فى صدرك دى يااااض ! أرسل لهم "ميدوسا" ؟ بعضهم لن يهمه أنها سوف تحيله إلى حجر لأنه قرر أن يتحرش بها طبعا , استعير "الرجل الأخضر" من "مارفيل" ؟ سيلتقطون معه صورا تذكارية وسيظهر ذلك السخيف الذى يرفع اصبعيه خلف رأس العملاق وهو يبتسم ببلاهة . "ترانسفورمرز" ؟ سيتم تفكيكهم ليباعوا كخردة . المصرى لن يفهم أيضا أنه فى إحدى ألعاب "المنشار" الذى يهوى تعذيب البشر لإشباع ساديته المرضية وسيفاجئ بجينات المصرى الأصيل وهو يقابل ساديته باستهتار على أنها شكل من أشكال الكاميرا الخفية وسينتظر دون يأس أن يظهر له صاحب الحفل ليقول له : لو تحب نذيع قول ذيع .


على الاعتراف أن الشعب المصرى ليس هذا الشعب الذى يمكن اثارة مشاعر الهلع داخله بسهولة . لقد فهمت الآن لماذا اعتبرت فيلم "التعويذة" فيلم كوميدى ! أنا كاتب رعب فاشل ولابد من مواجهة الحقيقة , لكنها ليست نهاية المطاف طبعا . سأحكى لكم عن "عشاق أدرينالين" من نوع آخر , الفلول الأصليين لمصر .. الهنود البينك . 

No comments: