Wednesday, April 9, 2014

المـلتهبــــون


ها أنا ذا يا بسنت .. أيا حبيبة قلبى , قد تركت مكانى المفضل عند مصبات الأنهار بعد أن اكتفيت من اصطياد أسماك السلمون .. أود أن أطمئنك أننى حصلت على مايكفينا من مؤن فوسفورية نستطيع أن نعبر بها موسم الانتخابات الرئاسية بأمان. وأحيطك علما .. أيا  مياه السخان الراكدة التي تعطينى الانتعاش لبرودتها, أننى لم أجازف باتباع الإرشادات الاجتماعية واختصار التسلية فى لب ثمار الكوسة المحمصة والفول السودانى أو حتى "الفشار" , هذه الحقبة تختلف. أيا قنديل حياتى , إنه موسم الملتهبون .

هل تعرفين ؟ أيا نوارة عمرى مروحتى قنديلى فوح بساتينى أننى لا أحب نزار قبانى !؟ لكننى أغامر بالاقتباس منه كما غامرت حاملا على زورقى مئات الكيلات من الأسماك ليعرف العالم أننا نجيد أن نصبح ملتهبين , فالالتهاب ليس مقتصرا على أهل السياسة وهم مهما بلغوا من حرارة لن يكونوا في مثل توهجنا المستعر. أيا طنين فراشة خيالى الخصب. ولايهم أن صوت الفراشة ليس بطنين , اعتبريها مبالغة . ودعينى أشرح لك .. أيا كرة تسكن زاوية قلبى التسعين , لماذا قررت أن نعيش مغامرة كتلك بل أظنك تتسائلين الآن .. أيا "أي كلام في رغيف" لماذا السمك بالذات ؟ هناك حقيقة علمية نتوارثها جيلا بعد جيل أن الفوسفور يبقينا متوهجين , لذا فالأسماك اختيار جيد لتبقينا محتفظين بمستوى متقدم من الاشتعال وسط هذا العالم الذى يزيد التهابه في كل ثانية .. كما أخبرتك , أيا .. "إملائى مكان الأقواس بما يرضى غرورك" من قبل أنه موسم الانتخابات الرئاسية وعلى الجميع أن يلتهب ليؤكد انتماءاته لمعسكره.

حبيبتى .. لقياس درجة الالتهاب عند المعنيين بالاختبار دعينا نقوم بتجربة ما, لنقول مثلا ان في التسعينات كانت هناك شرائط كاسيت "مضروبة" يتزامن إصدارها مع اصدار النسخة الأصلية لأى مطرب . هنا ينتهى دورنا تماما ويحين وقت ترك ساحة النزال للملتهبين . أنصار يناير سينفجرون غضبا عن فساد إدارة المصنفات التي سمحت بتوحش صناعة الكاسيت المضروب التي كلفت صناعه خسائر بالجملة ناهيك أن جودة الصوت فيها رديئة جدا . ثم يذهبون إلى أبعد نقطة يمكن أن يصلها خيال خصب ليؤكدوا أن النظام قد سمح بتلك التفاهات للظهور للقضاء على الذوق العام.

أما أنصار الرئيس الأسبق مبارك فسيبحرون عكس تيار يناير "طبعا" وسيأكدون أن من حكمة مبارك أنه سمح لمثل هذه الأشياء أن تستمر , فكيف لمواطن بسيط يحب "سميرة سعيد" أن يشترى الكاسيت الخاص بها بسعر يتجاوز الخمسة عشر جنيها ! لقد كانت نظرة نظام مبارك  ثاقبة في هذا الامر وأصبح المواطن قادر على شراء كاسيت "سميرة سعيد" بثلاثة جنيهات فقط ! ثم يؤكدون أن "مجيدة" كما يشار إلى ثورة يناير وهى لاتستحق أكثر من هذا اللقب بالمناسبة هي من أفسدت متعة المواطن البسيط في الاستمتاع بكاسيت "سميرة سعيد" . ويتبعون المسيرة بـ "هاش تاج" ما عن زمن الكاسيت الجميل في عصر مبارك.

لكن جوقة الملتهبين التابعة لحمدين صباحى سيكون لها رأى مختلف ذلك لأن حمدين واحد مننا فهو بالتأكيد لن يسمح بأن يكون سعر الكاسيت أكثر من خمسة جنيهات ولابد أن تصل الثورة إلى صناعة الكاسيت ,ثم ان كل منتجى الكاسيت يخافون لحظة اعلان حمدين كرئيس لان معنى نجاحه أن الثورة قد وصلت فعلا لصناعة الكاسيت. لقد عانى الشعب في ظل النظامين السابقين من ارتفاع أسعار الكاسيت بنسختة الأصلية وردائة صوت النسخ المضروبة لذا فإننا كحملة انتخابية نؤكد أن من دعائم برنامجنا الانتخابى هو ان يصل الكاسيت لكل مواطن بجودة صوت النسخة الأصلية وبسعر النسخة المضروبة .

وكعادة الملتهبين من مؤيدى الفريق "شفيق" فهم دائما يغردون خارج السرب . سيكون التأكيد أن صناعة الكاسيت خسرت رجلا مثل "شفيق" لأنه كان سيعيد للصناعة بريقها المفقود بعد أن يعود كل مواطن لصفه الصناعى المحدد لإدارة دولاب العمل. لم يستطيعوا أن يفهموا أن الكاسيت لابد أن يصل للمستمع بسعره الحقيقى وأن لعبة دعم صناعة الكاسيت المضروب بقيادة شخصيات عسكرية كبيرة لابد أن تنكشف. الكل يعرف أن العسكريين باعوا "شفيق" ومشروع انقاذ صناعة الكاسيت من أجل "الإخوان" طبعا ! هذه حقيقة لاينكرها أعمى. ثم يترك لك طرف الأحجية العجيبة ويتوارى , لكنه لا ينسى أن يزيد من غموضه المفتعل فيضيف وكأنه نوستراداموس شخصيا أننا سنفهم لكن بعد فوات الأوان .

لكن عند ملتهبى خالد على فالوضع مختلف تماما.. فهم سيؤكدون لك أن صناعة الكاسيت ذاتها ماهى إلا طريقة جديدة لخداع الشعب والهاؤه عن استكمال ثورته . العسكريون تحالفوا مع الدولة العميقة في أقذر تحالف ممكن ليجعلوا الشعب في حالة من الصراع بين أيهم الأحق بان يكون صاحب الكاسيت ألأغلى سعرا هل هو عمرو دياب أم تامر حسنى ! هكذا يمكنهم القضاء على الثورة لأنكم لاتعرفون أنكم رعاع يتم تجهيلكم وفق خطة مدروسة بعناية . كاسيت!! ألم يصلكم اختراع الأيبود بعد ؟! إنه اقتصادى ومثالى للاشتراكيين أمثالنا .

ومع ملتهبى المشروع الاسلامى المزعوم تصل اللعبة لأكثر فصولها كوميدية .. الكاسيت أصلا حرام , لكن هذا لا ينكر أن أعلى نسبة مشاهدة لقنوات مثل "شعبيات" والمولد" كانت في عهد الرئيس الدكتور محمد مرسى . محاولة تبيان أن سوق الكاسيت كان فقيرا في عهد الرئيس الدكتور محمد مرسى هي محاولات فاشلة مهما حاول الإنقلابيون الأوغاد , الرئيس الدكتور محمد مرسى هو الرئيس الوحيد الذى قدم التحية لسائقى التوك توك في خطاب رسمي , وكعاته في أن يكون بسيطا لكنها ملاحظة في غاية الأهمية لماذا اختار التوك توك بالذات ؟ انه كاسيت متنقل في حد ذاته ! لن يهنأ الانقلابيون بمحاولة طمس إنجازات الرئيس الدكتور محمد مرسى . أبدا .

ولايجدر بى أن انسى في خضم هذه الشروحات أن أشير لانه لم يعد هناك سوق للكاسيت من الأساس ! يسمونه الآن "القرص المدمج" أو السى دى , أظنكم فهمتم ما أصبو إليه تماما دون الحاجة لمزيد من الشرح فقد يكلفنا ما لانستطيع .

أخيرا هناك آخر مجموعة انضمت فعليا لجوقة الملتهبين وهم من مؤيدى المشير السيسى .. لقد ابتكروا نوع جديد من المغالاة يمكن أن يسجله التاريخ كبراءة اختراع وهى شوفينية الأداء الدعائي , فستذهب بهم المغالاة إلى الترويج أن بإمكانهم الاستغناء عن الكاسيت من الأساس بس هو يؤمر .


ها أنا ذا يا بسنت .. أيا قنينة عطرى الديور فهرنهايت, هل وقفت على حجم المأساة الحقيقية ؟ هم يشعلون الحروب من لاشيء ثم يتصورون أن كل منهم عليه أن يفوز ! ربما نخترع لهم مسابقة أوليمبية ونحن نتلذذ بالتهام أسماك السلمون ليمكنهم تفريغ طاقاتهم التنافسية فيها . ما رأيك بالسباحة في مياه البطيخ ؟ أو اللفت؟ أو حتى وحل البرك ؟ هؤلاء يمكنهم أن يبدلوا حياتنا الهادئة إلى جحيم لإثبات كل منهم أن وجهة نظره هي الأدق في مجال الكاسيت ! أما نحن .. أيا زهرة النيلوفر البيضاء التي لا أعرف منها سوى اسمها فقط , يمكننا أن نقوم بتحميل كل شيء بشكل مجانى من على الإنترنت . وبرغم أننا انتقدنا الجميع لكننا نعرف يقينا من سنعطيه أصواتنا في صناديق الاقتراع بعيدا عن هوس الملتهبين وصناع الوهم وتجار المعاناة .

No comments: