Wednesday, March 14, 2012

إمبارح كان عمرى عشرين .. كل سنة وانا طيب





لقد رأيت 9497 شروق للشمس , وعشت 312 شهرا ,

باختصار ساحتفل باليوبيل الفضى+1 لنفسى بعد 48 ساعة , سيصبح عمرى 26 سنة بالتمام .

واعذرونى عن لغة الأرقام , فقط هى نوع من أنواع التحذلق لأن البيه ( محاسب ) ليس أكثر .

او كما يحلو للمدير المباشر تسميته ( ذا تشيف آك ) كى يبرهن انه مثقف

يخال لى أننى قد أصبحت عجوزا طاعنا فى السن , فالأرقام مفزعة لحد مروع ,

حتى من طريقة أمى التى تدفعنى دفعا للزواج قبل أن يفوت الأوان , وما هو الأوان الذى أجهله

وهى لا تريد أن تفصح لى عنه وتحبذ أن تبقى نصيحتها مبهمة المعالم بل وتستوجب أن أستشعر

منها الخطر الحائق بى لأننى مازلت ( سينجل ) وحيدا مثل دببة القطب الشمالى ,

أهيم فى أجازاتى بين شواطئ مصر مع أصدقائى , وكل بنطال لى قد حفرت مقاعد ( القهوة ) علامة

بارزة على مؤخرته , هى ترى أننى لا بد أن أرتدى ( الكلبشات ) أى ( الدبل ) وأذهب إلى

عم ( سليمان ) النجار لكى تختار الست هانم جهاز شقة المستقبل مع أمها الحيزبون

التى تشبه أفعى المامبا السوداء , لابد من أن أفعل كل هذا من أجل فتاة لم أحبها يوما ,

ولا أحمل تجاهها أى مودة تذكر ولم أكن لأراها سوى من أسبوع واحد وكأننى مضطر الى هذا .

طبعا سيسبق تلك ( التوريطة ) وهى تقدم لى صينية من ( البيتيفور ) وهى تنفجر خجلا مفتعلا

و ..... لكن صوت أمى مازال يتردد فى مسامعى وهى تقول قبل أن يفوت الأوان يابنى !! , دعها تصرخ فى أذنى

و دعونى استرجع بعض ذكرياتى العتيقة كونى أصبحت كهلا هرما إلى هذا الحد المرعب .

أشعر أن طفولتى أصبحت حلما عابرا بدأت أشك فى كونى قد عشته حقا ,

ربما كان سريرى فى الغرفة الذى يحوى تحته بقايا مملكة من الألعاب مجرد اسقاط نفسى ,

أو تلك الصور التى أبدو فيها طفلا مجرد دعابة بالفوتوشوب ,حتى شعور أطفال العائلة

بالخوف من مقلب ما أقوم به معهم وهم يركضون نحو الكبار ,

لا أذكر حقيقة أننى قد شعرت بذلك الشعور الذى تختلط فيه اللذة بالفزع

ببساطة لأننى من ( الناس الكبار ) حاليا .. لكننى أذكر أيضا مدرستى الابتدائية جيدا

وأقول من باب الفخر أننى كنت متفوقا بها ليس لأننى عبقرية متقدة بالضرورة ,

ولكن اعتبرنى كنت الطالب الأٌقل غباء وقتها لأن ( طفرة ) التفوق اختفت تماما

بعد تلك المرحلة .أذكر أيضا يوم وفاة جدتى لأبى حين كنت أقوم بعمل أكواخ من القش

فى ( الجرن ) – وهو مساحة واسعة أمام المنازل الريفية لمن يجهل الكلمة – حين سمعت صراخا

شديدا بالداخل , وعندما سألت أبى عما حدث قال لى وأنا أرى عيناه تملأها الدموع للمرة

الأولى أن جدتى ( طلعت عند ربنا ) كما يخدعونا جميعا فى ذلك السن , لكننى قلت أننى لم

أرها وهى تصعد فقد كنت فى الخارج , ولن أنسى نظرة أحدهم وهو يكاد يصرخ فى الواقفين متوسلا

أن يخرجوا هذا الأحمق الذى هو أنا , إلى أن تعودت أن من ( يطلع عند ربنا ) لا نراه مجددا ,

وحتى كبرت قليلا وفهمت معنى كلمة ( موت ) وبدأ ينغرس فى وجدانى ذلك اليقين

أن الحياة لن تمتد إلى الأبد

فكلنا سنموت يوما ما وكلنا سيقال عنا يوما ما لأولئك الصغار أننا ( طلعنا عند ربنا )ء

. أذكر أيضا يوم أتممت عامى السادس عشر فوق ظهر البسيطة وكان أول قرار لى

أن أشترى ( استمارة ) البطاقة الشخصية كى أصبح رجلا فى نظر المخبرين عندما يستوقفوننى

فى الشارع لكونى منحلا دائم السهر , وفى عامى الثامن عشر كانت فرحتى عامرة لأننى استخرجت بطاقتى

الإنتخابية وردية اللون عديمة الفائدة , لكنها كانت ذريعة لا بأس بها لأقنع نفسى أن صوتى سيذهب

لمن يستحق وكانت أحلام المراهقة حينها شديدة الخيال ,

كنت أحلم بأن التغيير سيكون بالانتخاب ولم تختل قناعتى إلا بعدها بـسبعة أعوام

حين وقف من هم فى مثل سنى فى ميدان التحرير , لكن حتى هذا الحلم يتحقق بطريقة مغايرة .

ومن الذكريات أيضا تكتشف أن من الأشياء التى تتغير وفق التدرج السنى أيضا

هى طريقة معاملة الآخرين لك , فأنت قبل العام الخامس مجرد بطتى وياختى عليكى

وكوتى وكوتى كوتى ( منتهى السخافة ) خاصة عندما يعتقد احدهم ان غرس اصابعه فى جانبيك نوع من الدعابة

, ببساطة يتم تدليلك كدمية الباربى ,

حتى فى الزيارات المنزلية , فى الطفولة , لن تجد أى حرج فى أن ( تلعب مع اخواتك ) فى

اى غرفة كانت , ثم يتدرج بك ( العزل التدريجى ) إلى اللعب مع ( الصبيان بس ) مع

بعض الاضافات من مسحوق ( الرخامة ) على الكيانات الأنثوية المتواجدة فى المحيط , ثم العزل التام

لأنه من العيب فى مثل هذه السن الحرج أن تخترق ( تابو )العلاقة المريبة بين الجنسين ,

فأنت كشاب مجرد حنجرة خشنه ووجه يكسوه الحبوب والشعر المبعثر واقصى مجالك الثقافى

هو تشكيل الاهلى بقيادة وليد صلاح الدين وحسام حسن واحمد شوبير

وفى المقابل يتوحد التخيل العام للأنثى كونها من الكائنات ( المايعة ) التى تعلق

بوسترات المطربين فوق الجدران وتصرخ فزعا من أى ( برص ) على الأسقف ,

ثم يتدرج بك العمر مرة اخرى لتجد نفسك الآن فى وضع يسمح لك بأن تكون سلعة حية

حين يقول لك والد الفتاة التى قدمت البيتيفور فى الاعلى بثقة وتباهى ( احنا بنشترى راجل ) , واشرب العصير

ومن الذكريات أيضا تغير الطريقة التى يقولون لك بها ( كل سنة وانت طيب ) كل عام ,

ففى البدايات أنت ذلك المدلل الذى لايهمه سوى مسدس المياة الرشاش وأن يقف

فوق الكرسى المواجه للكعكة ليعمل ( هوووف ) , ثم يبدأ الأمر بالتغير لكل سنه وانت طيب

انت بقيت راجل ماشاء الله , ثم كل سنه وانت طيب وأنت خارج حدود القطر تعانى من

البواسير من كثرة الجلوس أمام كومات الأوراق التى تحتاج للمراجعة والتلخيص الربحى ,

وفى كل مرة أنت تجهل تماما كيف سيكون شكل كل سنه وانت طيب فى العام القادم .

ومن الذكريات أيضا تغير طريقة التفكير نفسها , فكنا منذ خمسة أعوام نحاول أن

تمتلئ جيونا بالنقود ليس لأسبب جوهرية سوى أن نذهب لإحدى المدن الساحلية فى اشهر الصيف

أو لنقوم بتغيير الموبايل لأن نوكيا أصدرت جهاز بكاميرا !! يا للإختراع

هاتف موبايل بكاميرا ؟؟ لم نكن لنصدق , اما الآن فنحن نقوم بزيادة الحساب المصرفى

من أجل شقة ما ولكى نقوم بسداد فواتير النجار والسباك والنقاش و بتاع السجاد التى ستختاره

نفس الفتاة التى قدمت البيتيفور فى الاعلى

احيانا يجبرنى الخيال أن اتخيل نفسى فى سبعيناتى الدانية وقد غزا المشيب منابتى

وقهرت الشيخوخة حواسى واصبحت أدوية تصلب الشرايين لا تفارقنى ,

ثم أعود وانا اقول فى نفسى أننى مازلت فى الخامسة والعشرين

وربما لن أًصل لتلك المرحلة , فلأستمتع بمرحلتى بكل ما فيها , ربما حقا لن أصل لمرحلتى

السبعينية , وحتى إن وصلت , ساكون قد تمتعت تماما بكل مرحلة مررت بها ,

بكل مافيها من طيش وسذاجة وعناد وانطلاق وطموح وتعب .. وملل

سيكون لدى ما افخر به حينها ,

لكن هل سيبقى لدينا فايس بوك أو تويتر وانا احتفل باليوبيل الذهبى بعد 25 عاما من الآن ؟؟

ربما سيخترعون لنا الانتقال عبر الأزمان بالترشيح الآيونى , حينها سيكون من السهل أن اخبركم جميعا

بذكريات جديدة دون الحاجة للكتابة وعمليات تاج و لايك .

أراكم فى اليوبيل الذهبى بعد ربع قرن من الآن لنحكى عن ذكرياتنا من جديد




==================== ======
ALL RIGHTS RESERVED K@REEM
==================== ======

No comments: