Tuesday, May 14, 2013

دبابيـــس : بارافريـنـيـا





المقال من جريدة الدستور الوطنى عدد الثلاثاء 14/05/2013

يقول  الرائع " أوسكار وايلد " أن الواقع يقلد الفن , وبما أن السياسة جزء من الواقع والأدب جزء من الفن يمكنك أن تربط بين بعض الأدب وما يفعله السياسيون . لا أقصد استغلاله للترويج فليس كل أنواع الأدب يستطيع السياسى أن يستغلها , فعالم نجيب محفوظ مثلا أبعد مايكون عن استغلاله لأنهم لو نظروا للإنسان نظرة نجيب محفوظ سينتهى مجال العمل السياسى لأنهم فقدوا أهم جزء فى اللعبة وهو التجارة بالمعاناة , لكن القصد هو تشبيه أفعال السياسيين ببعض الأجواء الأدبية .

ماذا عن رواية "أنا وهو" لأبيرتو مورافيا ؟ هناك بعض الفصائل السياسية التى تلعب دور بطل مورافيا باحتراف وتفان واتقان , يحاولون إيهامك أنهم غير راضين عن أداء الآخرين وأنهم معارضون أقوياء لكنهم فى حقيقة الأمر قوم من العجزة مستسلمين لما يغويهم به "هو" , و"هو" فى حكاية مورافيا رغم جرأة خياله كان مجرد محفز يتلقى اللوم وكأنه يتصرف بشكل منفصل , بينما هم تخطوا مرحلة "هو" عند مورافيا ووصل بهم الإدمان ليصبحوا كـ مذكرات "مديحة", وهى بالمناسبة ملف وورد ضخم يعرفه معظم المراهقين تقريبا يحكى عن فتاة لعوب غامرت مرة ثم لم تستطع المقاومة فبات الأمر بالنسبة لها نوع من أنواع المتعة .

ماذا عن عالم روايات "من فعلها" ؟ هم بارعون فى تقمص دور المحققين لكنهم يختلفون كليا عن محققى "آرثر كونان دويل" أو "أجاثا كريستى" هم من نوع المحققين السذج الذين يحاولون إلصاق التهمة بأول مشتبه به ويتصورون بذلك أنهم عباقرة , فماجدوى القصة بالكامل لو أن الفاعل ساذج إلى هذا الحد المثير للشفقة ليكتشفوه بهذه السهولة وهم يمارسون رياضة توسيع فتحات الأنف أمام الجزيرة مباشر مصر ؟ حتى عبارة " فتش عن المستفيد " يجدون لها ألف تفسير حتى تخضع لخيالهم الفقير وكسلهم فى البحث عن الحقيقة . من اقتحم السجون مثلا ؟ من الذين استفادوا فعليا من فقاعة الصابون المعروفة بموقعة الجمل ؟ من هو الطرف الثاث الذى يظهر ويختفى حسب نوعية المتظاهر ومكان التظاهر ؟ لكن لماذا يرهقون وحدة التفكير فى أجهزتهم العصبية طالما أن هناك وهم صنعوه وصدقوه اسمه ثورة مضاده وفلول !؟. هل لأنهم لايستطيعون التفكير؟ بل لأنهم عاجزون عن مواجهة الحقيقة التى بدأت تحاصرهم من كل اتجاه وتدفعهم للهروب والإنكار والمكابرة . وبعضهم أصبح على يقين بـ "من فعلها" لكنه مابيقولش عالنت .

وعلى الجانب النفسى للسياسيين لايمكن اغفال  "دكتور جيكل ومستر هايد" لـ روبرت لويس ستيفنسون , والتى يمكنك أن ترى من خلال اسقاطها على الواقع كمية الفجوات بين حقيقة مايعتقدون وما يتم تصديره من خلال قناع الثورة , ففى بدايات المظاهرات كان الكل يحاول ايهامك أن كل من فى الميدان هو مارتن لوثر كنج آخر , الكل متساوون , يأكلون كشرى , يصلون فى حراسات الآخرين . ثم ماذا ؟ معظم الشخصيات العامة التى ذهبت الى التحرير تم مطاردتها لأنهم طبعا منتفعون من النظام السابق ولم يكونوا متواجدين من البداية , لدرجة تقودك للتساؤل عن مارتن لوثر كنج الذى ادعوا وجوده ؟ حتى هذا الاضطراب السلوكى الفج كان انتقائيا بشكل عنصرى تابع للهوى , فلم يجرؤ أحدهم على أن يهاجم "عمرو دياب " مثلا ويدعى أنه من الفلول رغم أنه غنى للرئيس السابق مبارك . لكن الغباء الذى يوضع فى مصاف الأساطير عندما التقط أحد معارضى مبارك وأحد مرشحى الرئاسة اسم هذه الأغنية لتصبح رمزا لحملته الانتخابية فى مشهد عبثى نادر . 

حتى عندما اختلط الدين بالسياسة كانت الحالة موجودة أدبيا  وقدمها روى برادبرى فى رائعته "451 فهرنهايت" وكيف أن هدفهم الأسمى هو الحفاظ عليك فى صندوق مغلق يسمح بمرور ما يوافقون هم عليه وليس ماتريده أنت , هل يوجد أى اختلاف بين ماعرضته الرواية وبين ماتشاهده أنت اليوم من التيارات المتشددة ؟ الفارق الوحيد أنها كانت رواية خيالية ومايحدث الآن هو واقع صنعه عشاق الأدرينالين .

النهاية نفسها لن تبعتد كثيرا عن الأدب وأظنها أقرب لقصة للعبقرى يوسف أدريس تحكى عن رجل يتجاهله الجميع فى كل مكان , يذهب لمنزله غاضبا ليجد شخصا آخر فى بيته ومع زوجته فتدفعه الصدمة للانتحار من الشرفة لكنه يفاجأ بجثته على الأرض لأنه ببساطه كان ميتا بالفعل . لقد كانوا مجرد ظاهرة تعانى من مرض الذهان التخيلى  وستنتهى لتعود الحياة للانتظام .


K@ReeM

No comments: