Tuesday, June 4, 2013

دبابيــس .. مشروع الظلال




المقال منشور بجريدة الدستور الوطنى عدد الثلاثاء 04/06/2013
 
أهازيج دبابيس مستمرة حتى اليوم الكبير وهذه المرة نحتفل مع الشباب الطاهر . واقع الأمر أنها كانت كذبة كبيرة جدا صدقوها من كثرة التكرار لا أكثر لأنهم أنواع تختلف,فجزء منهم جمعهم الطموح نحو الأفضل أما الآخرين فهم لم يجتمعوا حتى تتصور أنهم مختلفون الآن وخلافهم أصيل مهما روجوا من أكاذيب حول وحدة الصف فهى هراء . وبصفتى صعلوك مخضرم فقد تعاملت كغيرى مع هذه الأنواع وعن قرب مكننى من تقييم التجربة فى وقت مناسب .
كانت البداية طبعا فى سن التكوين الثقافى الحرج وهى مرحلة الاستقطاب , فأنت فى هذا السن مغرم بحكايات الصحابة وتلهبك خطب الشيخ كشك العنترية وسخريته الفظة بالحماس وغيرها من الأشياء التى تؤهلك للانضمام للقطيع ,أرض يافعة وقطعة من الصلصال الطيع يمكن تشكيلك كيفما يشاؤون . يبدأ الأمر ببراءة مع بعض الأدعية والأذكار أو حلقة ختم قرآن فى منزل أو فى مسجد ثم تبدأ مرحلة التلقين حول فساد البلاد والعباد وأن الأمة تنتظر "الخليفة" الذى سيطهر الأرض من أعداء الدين . هل تجاوبت ؟ انتقل للمستوى الأعلى لتكون عضوا فى مجموعة صغيرة لها قائد وهذا القائد يعلوه آخر ثم يكون هناك مسئول عن كل هؤلاء تفاجأ أنه معلمك أو صديق لوالدك أو حلاق المنطقة وهو بدوره تابع لتدرج قيادى ينتهى فى المقطم الآن .
ولاينتهى الأمر عند التلقين فلابد أن تمر بعملية دقيقة من غسيل الأدمغة بطريقة أنت نفسك لاتشعر بها , فهى تكون من خلال أمور ترفيهية كمباريات كرة القدم أو معسكرات الشواطئ فترة الصيف حتى يتمكنوا من استئصالك عن حقيقة مجمتعك الذى تربيت فيه ويكون وطنك وانتماؤك هو للجماعة وأظنك قد لاحظت ذلك حتى فى تصرفات القياديين الذى قال أحدهم "اسأل الله ان يتوفنى على الإخوان". الأمر باختصار مبنى على أن تكون مطيعا لأن هناك آخرون يفكرون ويعلمون مالا تعلمه أنت ولا مجال لأى تصرف فردى من أى نوع وانقاذك مقتصر على طبيعة مصادر اطلاعك لأنهم يحاصرونك فعلا , فإما أن تنجو أو تصبح نسخة زيروكس بشرية تعمل بالزنبرك.
وفى الجامعة تمر باستقطاب على النقيض من المحاولة الأولى فأنت الآن تحارب لقضية واضحة ومختلفة عن تجربتك السابقة تماما وهى القضاء على الفساد أيضا ! وكيف أن الوطن تحول إلى مرتع للفاسدين واللصوص "الرأسماليين" ممن تزيد أرصدتهم فى البنوك على فاتورة الفقراء , واذكر أن أحد كبارهم وكان زميل دراسة عتيق بدأت الدراسة وهو طالب وانهيتها وهو لايزال طالبا فخورا بمحاربته للظلم ! كان أول شخص لديه هاتف نوكيا بكاميرا وقد كان اختراع تهتز له الجبال فى وقت كان أقصى طموح الرأسماليين امتلاك هاتف "بوليفونيك" . فهؤلاء اليساريين رغم ذوقهم الموسيقى الرديء قوم مرحون بحق لتحظى معهم بحياة صعلوك محترم حيث يمكنك دخول السينما لمشاهدة ثلاثة أفلام بخمسة جنيهات تخرج بعدها لشرب الشاى على مقهى عتيق بخمسين قرشا للكوب لتتحدث عن فساد نظام قد وفر لك كل ملذات الحياة وبتكاليف زهيدة  لدرجة توقظ فى نفسك السخرية من الأمر برمته .
النمط الآخر الذى أقصى اهتماماته عضلات عمرو دياب والحقد على تامر حسنى وكاظم الساهر لأن الفتيات يحبونهم بجنون أوساندويتش ماكندونالدز الجديد وهل هو "سبايسى" لدرجة تصيبك بالالتهاب أم مجرد توابل من النوع التافه لايشغلون بالا بالحياة , فلا هم ضمن العشيرة ولاهم من عشاق لينين والمنجل السوفييتى ولايمكنك اعتبارهم خطر يهددك بثورة جياع لكنهم يقنعونك أنهم يحاربون الفساد أيضا .
هذه الأنماط رغم تضادها قادت التحول فى طبيعة المظاهرات رغم أنهم لم يجتمعوا على أى مساحات مشتركة حتى فى نظرتهم للدولة كوطن , فبعضهم رآها إمارة ضمن مشروع كبير والبعض يجره الحنين إلى ماض سحيق لن يعود مجددا وآخرون رأوا أن "الثورة" بما تمثله من تحد لفكرة السلطة تجربة لذيذة تكسر روتين الحياة . حتى وأنت شخص عادى تحلم بالأفضل وعلى يقين أن "مبارك" لم يكن ليقدم أفضل مما قدم فعلا لظروف سنه وفترة حكمه وترى أن الدولة كان ينبغى أن تجدد دمائها وطريقة إداراتها كان لابد أن تتوقف لتتأمل ماهو مغلف بعناية خلف مشروع الظلال الذى تم تصديره بمساعدة "الإخوة كرامازوف" ممن انزلقوا فعلا للظل وأصبحوا فى صراع يحركه وهم الانتشاء بانتصار مزيف حتى تكتشف الحقيقة بنفسك أنها لم تكن شيئا يسعى لإرضاء طموحك بل استغلاله لتصبح أسيرا لحالة الثورة نفسها وتنسى ماكنت تطمح إليه وهو ماظهر جليا فى موسم عصر الليمون .
 
KaReeM
 
 
قبل أن نبدأ مراسم الاحتفال المبهجة بقى في جعبة الذكريات حكاية واحدة
تحكى عن عشاق نظرية ( اخدعنى .. شكرا ) . وعليك أن تعى
طبيعة ما أنت مقبل على التعامل معه جيدا
.


 

No comments: