Wednesday, March 12, 2014

امبارح .. كان عمرى عشرين



لقد أشرقت الشمس في حياتى 10,220 مرة , عشت تقريبا 336 شهر , في آخر ست سنوات أي آخر 2,192 يوم قضيت منهم 135 يوم فقط في مصر ! مبارك لى ! .. أنا على مشارف اتمامى العام الثامن والعشرين أي أصبحت طاعنا في السن بما فيه الكفاية. واعذرونى عن لغة الأرقام إن بدت معقدة , لكنها  طبيعة فرضتها المهنة لا أكثر . أذكر في العام 2006 بعد مباراة كأس العالم النهائية بين إيطاليا وفرنسا جلست مع أصدقائى على المقهى نحتفل بالفوز كإيطاليين أكثر تعصبا من سكان روما أنفسهم وكان بجانبنا منضدة حولها أربعة رجال يبدو من هيئتهم أنهم تجاوزوا العقد الرابع , قال أحد أصدقائى أننا يوما سنجلس نفس هذه الجلسة ونحن في نفس أعمارهم نتذكر أننا كنا صغارا يوما ما !

وها نحن نقترب وان كان ببطء من تلك اللحظة التي نتساءل فيها بجدية , هل كنا صغارا بحق ؟ أم أن هذه الذكريات المبعثرة ماهى إلا بعض التخيلات عن ماض لم نعشه من الأساس ؟ ربما عشناه في فترة ما لكن المسافة التي يمكننا أن نقطعها لنتذكر مافيه مرهقة إلى حد يدفعنا للكسل عن البحث , ثم مزيد من الكسل يؤدى لفقدان المزيد من الذكريات وهو ما يدفعك للعودة لنفس السؤال .. هل كنت صغيرا يوما ما ؟ دائرة مغلقة من الجدل البيزنطى.

الحقيقة المجردة بغض النظر عن خاصية تآكل الذاكرة التي تنتعش بعد كل دورة للأرض حول الشمس أننى عشت رضيعا وطفلا وشيطان لزج يجيد تحطيم أي شيء لا ترغب امه في أن يتحطم , ثم شاب يظن أن العالم يتوقف منتظرا لليوم الذى سأتوجه فيه لشباك "شئون الخريجين" لاستلام شهادة التخرج ذات الخط المنمق إياها . استملتها ولم يتغير شيء بالمناسبة. كنت من هواة تحطيم التابوهات في هذه المرحلة وأقسمت أننى لن أعلقها في الصالون بجانب شهادات الأسرة ولم أعلقها فعلا , لكننى ماعدت أذكر أين وضعتها حقا ! فلم يتبق من اثبات اننى حاصل على شهادة البكالوريوس سوى ورقة زرقاء قبيحة الشكل والمحتوى ولن أغامر بإظهارها للنور مهما كلفنى الأمر , والغريب أننى لا أنسى مكانها أبدا !. ورغم ذلك لاتنتظر منى أن أحكى بعضا من ذكرياتى فقد قصصت منها الكثير فعلا , ولاتنتظر منى أن أحدثك عن تجربة فقدان السنين كمغترب لأننى لا أجيد "اصطناع الشجن" أيضا , فقط دع الأيام تمر بسرعة وهدوء حتى يحين موعد الإجازة القادمة . و لنجعل هذه المرة مختلفة قليلا .

في مثل هذا السن يجلس حولك أطفال العائلة بصفتك من أولئك المخضرمين العارفين ببواطن الأشياء. الأطفال يقدسون السن ويحلمون باليوم الذى يكبرون فيه ليصبحوا مثلنا , ولو أنهم يعرفون الحقيقة لتوقفوا عن تمنياتهم بان يكبروا يوما واحدا فهم لن يصبحوا أبدا من المخضرمين العارفين ببواطن الأشياء . نحن نفقد مع الزمن أكثر مما نكتسبه . هذا ما نكتشفه كلما تقدم بنا العمر .

ماذا أفقدك السن ؟ كلما تقدم العمر يضفى عليك الزمن ما يسمونه وقار , وهى أكبر خدعة في التاريخ بعد "حصان طروادة" كخدعة أن الشباب لا يبدأ إلا بعد الأربعين وهى خدعة يقولونها لك أيضا على سبيل المواساة . الحقيقة أن لاوجود لهذا الوقار بل هناك قيود يفرضها عليك المجتمع بحكم أنك أصبحت كبيرا نسبيا في السن . لا يمكنك أن تذهب لمدينة ملاه قاصدا بعض المرح لأنك كبير على هذه التفاهات، حتى لو تغافلت عن تلك الملاحظة لن ترحمك نظرات من حولك خاصة الصغار الذين يتمنون أن يصبحوا في مثل أعمارنا وهم ينظرون إليك كعجوز متصاب لا يحترم وقاره ولا يحترم كونه من المخضرمين العارفين ببواطن الأشياء الذين يشوهون سمعتهم بركوبهم القطار الافعوانى . السن يفقدنا لذة الشعور بالبهجة أيضا ، لن تستطيع الاحتفال بهدف لمنتخب مصر في مرمى الكاميرون كما كنت تحتفل سابقا بالصراخ وانت تقوم ببعض حركات الرقص التعبيرى, وبغض النظر عن عدم إمكانية هز شباك الكاميرون في العصور القادمة لكنك ستكتفى بالتصفيق والابتسام . إنه الوقار كما تعلم.

أما ما نكتسبه حقيقة فهو لعنة منتصف العمر خاصة في الزواج , لن تتمكن من الزواج بفتاة أحلامك لأنها الآن تملك أكثر من طفل أكبرهم يعانى من تعفن في معدته بسبب الإفراط في تناول الإندومى وأصغرهم سيصاب بتخلف عقلى قريبا لإدمانه على مشاهدة برامج الأطفال . ستحمد الله في لحظة ما أنهم ليسوا أطفالك، لكن الحنين القديم مازال يقرع الطبول في أروقة ذكرياتك رافضا الدخول إلى مفرمة النسيان مهما حاولت . أنت في وضع حرج واختياراتك محدودة وليس أمامك سوى أن تتزوج من بسنت التي تصغرك بسبعة أعوام على الأقل , بسنت كما تعلم مولعة بمطربين لم تسمع عنهم من قبل , من هو كيلانى هذا ؟ لقد توقفت معلوماتك الموسيقية عند محمد منير التي تعتبر أغانيه بالنسبة لأبناء الأجيال الجديدة طلاسم فلسفية يصعب التعامل معها , حتى في كرة القدم لن تتمكن من اجتياز حاجزها الزمنى. أنت من جيل حسام حسن وحازم إمام وعبدالستار صبرى وعاصرت مجدى عبدالغنى الذى سجل هدفا مرمى هولندا في يوم مشئوم أصبح به بعد ذلك من المخضرمين العارفين ببواطن الأشياء , هي لم تسمع عن أحمد فيلكس واسحق أول مثلا , لم تعرف أن أيمن منصور كان أوفر المهاجمين حظا على مدار تاريخ اللعبة . ستتعود لأنك مجبر على التعود لكنك لن تستطيع سد الفجوة الزمنية على الإطلاق . لن تجد من هى فى نفس مستوى جموحك الذى يضعك فى مصاف المجانين , وفى المقابل أنت لاترقى لوظيفة فارس أحلام يناسب أمينة رزق فى فيلم بائعة الخبز .

هي وافقت لأنك فرصة جيدة لزوج تقليدى وفرصة مناسبة لأن ترتدى الفستان الأبيض أخيرا وتقذف ببوكيه الورد من خلف ظهرها لصديقاتها اللاتى يعانين تضخم مفرط في الدماغ بسبب كمية الطرح المتراكمة فوق بعضها . وأنت قبلت لأنها من قلائل المختلين الذين يغامرون بالموافقة , كلانا يعرف هذا جيدا لكننا نقنع أنفسنا أن كل شيء سيصبح على ما يرام و سنصل معا لنقطة نقتنع فيها أن زواجنا جعلنا من المخضرمين العارفين ببواطن الأشياء .

ربما لم أصل بعد لمرحلة أن اصبح انطوائيا متوحدا مع أوهامى عن تلك الأيام الجميلة التي قضيتها أجوب الشوارع في مرح قبل أن اتحول إلى ذئب بشرى يهوى الوحدة , مازال أمامى الكثير لأحياه ومازال أمامى الكثير لأفعله . أنا لم اتخطى الثلاثين حتى الآن ! رقم 3 في خانة الأرقام العشرية ذو طابع كئيب يذكرك بصبار صحراء المكسيك , قوى لكنه جاف بما فيه الكفاية . لكن مازال أمامى الوقت لكى اتحاشاه وهو سبب جدير بالاحتفال .

السبب الآخر الذى يمكننى الاحتفال بشأنه هو أن هذه التدوينة هي الأولى منذ يوليو الماضى التي لن يتناقلها بعض أنصار الرئيس الأسبق "مبارك" فيما بينهم في مجتمعاتهم المغلقة يقولون أن هذا "الدولجى" السخيف تصور في لحظة ما أن مدونته المهجورة كفيلة لأن يلعب دور الناقد صاحب الرأي لكنه مسكين طبعا , لايعرف أننا من المخضرمين العارفين ببواطن الأشياء ! اعتذر منكم جميعا لو سلبتكم هذه المتعة. لكن اعدكم ان الأمر لن يطول كثيرا , ربما نلتقى في "نوستالجيا" أو هكذا أظن .


No comments: